شهد القلوب
بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Welcome_042

* عزيزي الزائر *
اهلا و سهلا بك
كم اسعدتنا بهذه الزيارة و شرفتنا
و يزيدنا شرف بتسجيلك معنا و تصبح قلب من قلوب
* شهد القلوب *

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات 41160_1234692989

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شهد القلوب
بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Welcome_042

* عزيزي الزائر *
اهلا و سهلا بك
كم اسعدتنا بهذه الزيارة و شرفتنا
و يزيدنا شرف بتسجيلك معنا و تصبح قلب من قلوب
* شهد القلوب *

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات 41160_1234692989
شهد القلوب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

اذهب الى الأسفل

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Empty بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

مُساهمة من طرف عبير الروح الإثنين 30 مايو 2011, 11:56 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

اضع بين ايديكم هذا البحث المهم جدا لكل دارس للعلوم الاجتماعية
و خصوصا قسم علم اجتماع
يارب تستفادوا منه


خطة البحث

مقدمة

الفصل الأول: أسس وأقسام بناء المجتمع


مستلزمات اتقان التحقيق الاجتماعي

أقسام المجتمعات

مراحل علم الاجتماع

أصــل الاجتماع

أسـس بناء المجتمع

الجــمع والجماعة

عوامل تشكـل الجماعات

الأدوار الاجتماعية

المجتمع وحركة التاريخ

التأثير المتقابل بين المحيط الاجتماعي والمحيط الطبيعي


الفصل الثاني: عناصر المجتمع


الفرد والعوامل المؤثرة الخارجية

علاقة الفرد بالمجتمع في الإسلام

العائــلـــة

خاتمة




اولا

مقدمة



الإنسان نفس وبدن وروح، وقد ذكر القرآن الحكيم النفس وجعلها محتملة الأمرين، مثل قوله سبحانه: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها)
وقد ذكر البدن بطور حيادي كأنه لا شأن له، مثل قوله سبحانه: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)
وذكر الروح بإعظام كالآية الآنفة وغيرها، فكأن البدن سفل، والروح علو، والنفس بينهما إن مالت إلى الأعلى كانت مع العليين، وإن مالت إلى الأسفل كانت في سجين.
والنفس يحيط بها البدن، والبدن في الاجتماع، ويحيط به المدينة ونحوها، وحولها المحيط الطبيعي، والنفس قادرة على إصلاح نفسها، ثم بدنها، ثم الاجتماع، ثم المحيط الاصطناعي، ثم المحيط الطبيعي، كما أن النفس قادرة على تخريب الكل، والمجتمع إنما يتولد من نقطة البدء، فاللازم في علم الاجتماع، أن نشرع من هنا، ونبني الهيكل الاجتماعي الصحيح من النفس النقية النظيفة، و[أفلح] و[خاب] في الآية الكريمة ليسا للآخرة فحسب، وإنما للدنيا أيضاً، فإنه وإن كان مطرح نظر القرآن الحكيم الآخرة فإن الدار الآخرة هي الحيوان، لكنه ينظر إلى الدنيا كقنطرة، ولذا ورد في القرآن الحكيم: (وابتغ فيما آتاك اله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا)

يتبع

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




عدل سابقا من قبل شهد القلوب في الخميس 13 أكتوبر 2011, 12:04 pm عدل 2 مرات
عبير الروح
عبير الروح
عضو ماسي
عضو ماسي

empty empty empty empty empty
empty empty empty empty empty empty empty empty empty انثى

عدد المساهمات : 29839

نقاط : 114743

تاريخ التسجيل : 09/02/2010

empty empty empty empty

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Empty رد: بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

مُساهمة من طرف عبير الروح الثلاثاء 31 مايو 2011, 12:08 am






ستلزمات اتقان التحقيق الاجتماعي


المحقق الاجتماعي يلزم عليه، لإتقان المسألة أمور:

(الأول): انتخاب منطلق تحقيقه، فإن المنطلقات المختلفة تؤدي إلى النتائج المختلفة وذلك يؤدي كثيراً ما إلى الخطأ، حيث أن المنطلق يكون منحرفاً، مثلاً: قد يرى المحقق بلداً فيه حريات النقد والكتابة والإذاعة والتلفزيون والكسب والانتخابات وما أشبه، ومن هذا المنطلق المرئي، يقول بوجود الحريات في البلد الفلاني ، بينما أن المنطلق ليس ما يرى، بل المنطلق هو البنية الاجتماعية للمجتمع، فإذا لوحظت تلك البنية يجد أن تلك الحريات مزيفة، وأن الناس يعيشون تحت الكبت، حالهم حال المخدر الذي يظن أنه سالم، لكن التخدير أورثه هذا الزعم، وإنما هو في اشد حالات المرض فمثلاً الرأسمالية المنحرفة مسلطة على ذلك البلد، فقبضت كل شيء، فالنقد حر، لكن لغير رأس المال، والانتخاب حرّ لكن لا يفيد حرية الإنسان بعد أن اشترت رأس المال الضمائر، والكلام حرّ، لكن يخاف المجتمع من الكلام حيث أن من ورائه الأخطبوط الذي يسبب الازدراء بكل كلام ضد رأس المال، وهكذا وقد ذكرنا شيئاً من تفصيل ذلك في[كتاب الاقتصاد].
بينما المحقق الاجتماعي إذا اختار المنطلق من الحريات الواقعية، والتي لم يسيطر عليها الأخطبوط ذهب إلى عدم الحرية الواقعية في ذلك البلد، وإنما فيه سراب حرية خادع، وشبح لا روح له ولا حول ولا طول.


تشخيص مفردات البحث


(الثاني): تشخيص مفردات البحث، وإلا لوقع في الخطأ، على ما ذكروا في علم المنطق، مثلا: إذا قيل هل البلدة الفلانية ديمقراطية أم لا؟ أو الحكومة الفلانية ديكتاتورية، أو الجمعية الفلانية وطنية؟ لو لم يحقق المحقق حول الكلمات الثلاث بكل دقة، ويبين حدودها، لوقع في نتائج مغلوطة، ففي[الديمقراطية] لو لم يحقق أنها عبارة عن الحرية الكاملة في الانتخاب، بدون تأثير جو أو دعاية أو مال أو ما أشبه، لزعم أنها ديمقراطية، بينما الواقع أنها ليست كذلك.
وفي[الديكتاتورية] لو زعم أنها ما يقابل البلد الذي فيه مجلس الأمة وصحف حرة، وما أشبه، لقال بأنها ليست ديكتاتورية، بينما أحياناً الديكتاتورية تغلف بثوب مهلهل من الحريات يعرفها المدقق ويغفل عنها السطحي، فاللازم على المحقق الاجتماعي أن يحقق أولاً عن معنى كلمة [الديكتاتورية] ثم يصدر حكمه بأن البلدة ليست ديكتاتورية.
و [في الوطنية] إن زعم أنها ما تكون أفرادها متجنسين بجنسية الوطن رأى أن الجمعية وطنية، أما إن حدد الكلمة، بأنها ما تخدم الوطن، تغير رأيه حيث كانت تلك الجمعية لا تخدم الوطن… ومن هنا زعم كثير من المسلمين أن قوله عليه السلام: (حب الوطن من الإيمان) يراد به الوطن الجغرافي الذي حدد حدوده الاستعمار في القرن الأخير، ولذا يطلقون كلمة [الأجنبي] على غير من كان في تلك الحدود، بينما [الوطن] في الحديث [الوطن الإسلامي] والأجنبي من لم يكن مسلماً، وإن كان آباؤه منذ ألف سنة في هذا البلد.


اتخاذ النماذج المختلفة


(الثالث): اتخاذ النماذج المختلفة في إرادة إصدار الأحكام الكلية [الغالبية] إذ لما كان الإحصاء التام غير ميسور غالباً، يكتفي المحقق الاجتماعي باتخاذ النماذج، فقد يتخذها من رديف واحد، زماناً أو مكاناً أو خصوصية، وحينذاك لا يصح الحكم كلياً، وقد يتخذها من مختلف الأردفة فيكون الحكم الكلي قريباً من الصواب.
ففي مثال الزمان، إذا أراد المحقق أن يحكم على أهل قطر كذا بالذكاء أو الغباء، لم ينفع أن يأخذ الإحصاء عن معاصريه فقط بل اللازم أن يسبر غور التاريخ، فإذا رأى في جملة من الأزمنة ذكاءهم، قال بأنهم أذكياء، وإلا لم يحكم بذلك… وفي مثال المكان، إذا أراد أن يحكم، بأن القطر الفلاني حسن المناخ أو سيء لم ينفع أن يجد أحدهما في عشرة من المائة من أماكنه بل ولا الخمسين في المائة، وإلا كان حكمه اعتباطاً… وفي مثال سائر المشخصات إذا أراد أن يحكم أن الشباب في البلد الفلاني مائلون إلى العلم لا ينفع أن يأخذ مثالاً من شباب الأغنياء أو شباب الفقراء أو شباب الأحزاب بل اللازم أن يأخذ عينات من كل الفئات حتى يكون حكمه غالبياً[كلياً: اصطلاحاً].

الانتخاب الدقيق للجمل


(الرابع): الانتخاب الدقيق للكلمات والجمل، التي يريد البحث حولها حتى لا تسبب كتبه ومقالاته، ضلالاً وتحريفاً، فإن الكلمات الرجراجة والجمل المهلهلة ذات الاحتمالات والمحامل تؤدي إلى الانحراف في السامع والقارئ مثلاً: إذا قال: بأن المجتمعات التي وصلت إلى تساوي الحقوق بين أفرادها تعيش حياة أكثر سلاماً ورفاه من غيرها، لم ينفع ذلك عن الانزلاق، إذ هناك سؤال: هل المراد بالتساوي المماثلة، أو العدالة؟ ـ إذ كل واحد منهما قد يستعمل في المقام الآخر، فإن بينهما عموماً من وجه ـ وإذا قيل العدالة: فهل العدالة بالنسبة إلى رؤساء العوائل، أو أفراد العائلة؟ وهكذا… ثم يتساءل ما هو المراد من [الحقوق]؟ فهل المراد الحقوق السياسية؟ أو الحقوق الاقتصادية؟ أو الحقوق الاجتماعية؟ أو المراد كافة الحقوق، وإذا كان المراد الحقوق السياسية، فهل السياسة عموماً؟ أو حق الانتخاب، أو حق الحكم والإدارة؟
كشف الأسباب والمسببات والملازمات

(الخامس): كشف الأسباب والمسببات والملازمات ـ وعلى قول الفلاسفة والأصوليين: العلل والمعلولات والملازمات: أو اللازم والملزوم والملازم ـ فإن الدنيا عالم الأسباب، وأبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها، وفي القرآن الحكيم: (ثم أتبع سبباً) وأصول ذلك يرجع إلى خمسة أمور:


أ ـ هل الشيء الفلاني علة؟ فإن المحقق الذي يريد كشف القانون يلزم أن يلاحظ أن الظاهرة الاجتماعية مسببة عماذا؟ فإذا لاح في ذهنه فرضية، يدقق ويتساءل: هل الشيء الفلاني علة؟ مثلاً: إذا رأى هياج الاجتماع، فيتساءل هل الأمر الاقتصادي علة لهذا الهيجان؟ بأن كان السبب تدني الأجور وتضخم السلع؟

ب ـ فإذا تحقق لديه أن السبب الأمر الاقتصادي يتساءل: هل هو وحده السبب؟ لإمكان أن يكون شيء آخر معه أيضاً، مثل بعض العوامل السياسية مما يسبب الهيجان؟
لا يقال: لا يمكن تأثير سببين في مسبب واحد؟
لأنه يقال: إذا صارا اثنين، كان كل واحد جزء السبب، كما أن الرصاصة إذا كانت قاتلة، فتعددت صارت كل واحدة جزء سبب القتل.

ج ـ فإذا تحققت العلة واحدة أو أكثر، كان على المحقق أن يتساءل، وهل للعلة علة؟ وهكذا حتى ينتهي إلى جذور الظاهرة، مثلاً: ظهر له أن الهيجان لأجل قلة المعاشات المسببة عن التضخم، فيتساءل: وما هي التضخم؟ فيصل إلى أنه من جهة صرف الدولة أموالاً طائلة لأجل الحرب، فيتساءل: ولماذا الحرب؟ وهكذا.

د ـ وبعد الوصول إلى جذور المشكلة، يأتي دور آثارها، وآثار آثارها، فإن المعلول قد يكون بدوره علة لشيء آخر، ففي المثال السابق حيث الهيجان يتساءل: فما هو آثار الهيجان؟ فإذا أجيب: مظاهرات وإضرابات، تساءل مرة أخرى: وإلى ماذا تنتهي المظاهرات والإضراب، هل تقابلها الحكومة بالشدة لتملأ السجون والمستشفيات والمقابر؟ وإلى غير ذلك.

هـ ـ وأخيراً يأتي دور التحقيق عن الملازمات، سواء للظاهرة، أو لأسبابها، أو لمسبباتها، ففي المثال السابق، المظاهرة تلازم فصل المديرين جماعة من العمال عن أعمالهم، مما يوجب تفشي البطالة، والفرق بين المعلول والملازم واضح، فإن العلة والمعلول في سلسلة واحدة، بينما الملازم في عرض المعلول، مثلاً: نور النهار وحرارته ليس أحدهما علة للآخر، وإنما كلاهما معلولان لعلة ثالثة هي إشراق الشمس، مثلاً.
ثم إن الإنسان بالتعقل والتفكر والتجربة، يصل إلى هذه الأمور، فاللازم أن يكون المحقق متأنياً، دقيقاً، يلاحظ الأشباه، ويقارن الأضداد حتى يستخلص الواقع.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (العقل حفظ التجارب وخير ما جربت ما وعظك)
وقال عليه السلام: [في كتاب له إلى أبي موسى الأشعري]: (فإن الشقي من حرم نفع ما أوتي من العقل والتجربة)وقال عليه السلام: (الفكر مرآة صافية)


أقسام المجتمعات


الاجتماع على أربعة أقسام:
1 ـ المجتمع الجامد.
2 ـ والمتحرك نحو النقص والانحراف.
3 ـ والمتحرك نحو الكمال بأقدام ثابتة.
4 ـ والمتحرك نحو الكمال بدون أسس ثابتة.


المجتمع الجامد


1 ـ أما المجتمع الجامد فهو الذي يقف مكانه بدون تجديد في فكر أو صنعة، وهذا إنما يمكن إذا كان المجتمع في محيط طبيعي وجغرافي خاص بعيداً عن المجتمعات البشرية والغزاة، وكان مجتمعاً قليل الأفراد، لأنه إذا توفر فيه أحد الشرطين:
أ ـ أي كان قريباً إلى المجتمعات البشرية، فلم يكن محاطاً بالجبال ونحوها مما يقطعه عن الناس، أو كان في السهل، ولكن كان بعيداً عن المجتمعات البشرية لكونه في جزيرة، أو في القطب، أو نحو ذلك… كان لابد من احتكاكه بسائر أفراد البشر مما يوجب خروجه عن الجمود.
ب ـ وكذا إذا كان مجتمعاً كثير الأفراد، فإن مثل هذا المجتمع لابد وأن يظهر فيه المفكرون والنوابغ والتقدميون، ولسعة المجتمع يكون ضبط الجامدين له صعباً، فتظهر فيه الأفكار الجديدة، وتبعاً لذلك تظهر فيه الصنائع الجديدة ولا يبقى مجتمعاً جامداً.
وعليه فالمجتمع الصغير المنقطع هو الذي يبقى جامداً لأنه لا تظهر فيه الأفكار الجديدة لقلة أفراده وانقطاعه، ولو ظهرت خنقت لقوة المسيطرين عليه.


المجتمع المتسافل


2 ـ والمجتمع المتحرك نحو النقص، المراد به المتحرك في الصنعة ونحوها، إلا أن الفلسفة التي ينطلق منها المجتمع فلسفة التردي والهوى، كما إذا كان منطلقاً عن فلسفة قومية أو وطنية أو اقتصادية أو جنسية أو وجودية أو دكتاتورية، أو ما أشبه.
أ ـ فإن من يرجح قومه على من سواهم مهما كان قومه وضعاء، ومن سواهم رفيعاً، فقد نضبت فيه الإنسانية، وإذا نضبت الإنسانية تدرج الأمر من ترجيح القوم إلى ترجيح العشيرة، ثم ترجيح العائلة، ثم ترجيح النفس، ومثل هذا المجتمع خليق به أن يتحطم وتقع بين أفراده الحروب والمنازعات إلى الزوال.
وقد رأينا كيف أن القومية العربية تفرقت بلادها، وحاربت بعضها البعض وذهبت ريحها، مع وجود أكبر عدو مشترك بينهم وهو إسرائيل، لكن تصفية الحسابات التي انطلقت من فلسفة القومية لا تدع مجالاً للتفكير الجدي المثمر فيما عداها، وكذلك كان حال أعراب الجاهلية والفرس والروم وأوروبا في القرون الوسطى وغيرها… وحال الوطنية حال القومية في النتائج.
ب ـ والذي جعل منطلقه الفلسفة الاقتصادية لابد وأن يبتلى بالانحراف مما ينتهي إلى تشقيق المجتمع إلى طبقة الأغنياء الكثيرة الغنى وطبقة الفقراء الكثيرة الفقر من ناحية، ولابد له من أن يفحص الأغنياء عن الأسواق في تلك البلاد، كما نرى كلتا الصفتين في كل من روسيا وأمريكا ومن أشبههما.
ومثل هذا المجتمع يتخبط في الطبقية والثورات والحروب الداخلية والخارجية إلى أن يسقط، سواء طال الزمن أو قصر، وقد رأينا كيف أقام هؤلاء حربين عالميتين في أقل من نصف قرن، وكيف يستعدون الآن لحرب ثالثة لا تبقي ولا تذر، وكيف يستعمرون الشعوب ويشعلون فيها الحروب، ويجيعون أكثر العالم لحساب ثرائهم.
ج ـ والذي ينطلق من فلسفة الجنس، مثل فرويد وأتباعه، لا يمكن أن يسمو أخلاقاً، وأن تقدم في ميادين الصناعة، والأخلاق هي الموجبة لبقاء الأمم ـ كما قال الشاعر:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وذلك لأن الفلسفة الجنسية تشيع الإباحية التي تملأ فكر المجتمع، فلا يبقى مجال للإبداع والتقدم والرجولة والقدرة والمثابرة، وقد هلك قوم لوط عليه السلام، قديماً بذلك، كما أن ألمانيا غزت فرنسا في الحرب العالمية الثانية بسهولة مذهلة، لمثل ذلك أيضاً.
د ـ أما من ينطلق عن فلسفة وجودية، تتلخص في (أن وجودك كل شيء فافعل ما تقدر عليه) فلابد له من أن يتبدد، لأنه ضد فلسفة التعاون [إعطاء حق الآخرين] فيصبح الاجتماع أفراداً غير مرتبطين، والاجتماع لا يبقى إلا بالتعاون.
هـ ـ والديكتاتورية تخمد الأنفاس، وتخنق الحريات، وتميت الكفاءات وتبدد أوصال المجتمع، ولذا لا يتمكن الاجتماع معها من الكمال والتقدم ولم يتأخر ألف مليون مسلم مع منطقتهم الحسنة وثروتهم الطائلة، ومبادئهم القيمة، إلا لابتلائهم بحكام مستبدين، حالوا بينهم وبين التقدم بينما تقدم غيرهم في الصناعة ونحوها أشواطاً شاسعة.
وعليه، فالمجتمع الذي تسلّك عليه الديكتاتورية، إن كان متحركاً أخذ نحو النقص، وإن كان جامداً زاد جموداً، وعلى كلا الحالين مصيره التردي في الهوى فالسقوط إذا لم يدركه التحول الاستشاري قبل فوات الأوان، ولذا رأينا كيف سقطت النازية والفاشية وغيرهما في العصر القريب.
وهنا سؤال، أنه إذا كانت الديكتاتورية موجبة للسقوط، فلماذا بقيت الشيوعية؟
والجواب: أما حكومة الصين ـ ذات الألف مليون ـ فقد سقطت ولم يمر من عمرها إلا ثلث قرن، وأليس يكفي ذلك دليلاً على سقوط الشيوعية؟ وأما حكومة روسيا فقد قاربت السقوط أبان الحرب العالمية الثانية، وإنما حال بينها وبين السقوط الديمقراطيون، ثم هي الآن في شرف السقوط، فإن الغرب هو الذي يزودها بالقمح والتكنولوجيا، ولولا تلك المساعدة المستمرة كانت ساقطة إلى الآن، ومع ذلك فإن جملة من السياسيين يعتقدون قرب سقوطها بما لا يزيد على عشر سنوات.


المجتمع المتصاعد ذي الأسس


3 ـ والمجتمع المتحرك نحو الكمال بأقدام ثابتة هو الذي ينطلق من فلسفة صحيحة، كالتعاون، والعلم، والفضيلة، والتقوى، وحب الناس، والإنسانية، وابتغاء الخير، والحرية، ونحوها… وأخذ يعمل بتوئدة واتزان ومثابرة، ومثل هذا المجتمع سيبقى ينمو ويزدهر ويتوسع إلى ما شاء الله.



المجتمع المتصاعد بلا أسس


4 ـ وأما المجتمع المتحرك نحو الكمال، بدون أسس ثابتة، فهو الذي ينطلق من فلسفة صحيحة بالنسبة إلى السمو والإنسانية، ولكن لا يرعى سلسلة المراتب، والعمل بتوئدة ومثابرة، مثل هذا المجتمع خليق بالسقوط أيضاً لأن العمل إذا لم يكن عن إتقان لم يبق راسخاً، بل ينهار بعد مدة من الزمان وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه


سمات المجتمع المتصاعد


ثم إن المجتمع المتصاعد لابد وأن يكون التصاعد من ذاته، سواء نبع التحرك في داخله تلقائياً، أو نبع في داخله بسبب اختلاطه بأمم أخرى بالهجرة أو بالأسفار، أو بالغزو، أو ما أشبه ذلك، وإذا صار المجتمع متحركاً كان ذلك خارجاً عن إرادة أفراده، وإنما يزيد الاجتماع الفرد حماساً للتقدم، وبدوره الفرد يصب تقدمه في شلال المجتمع، ويكون حال الفرد والمجتمع ـ إذ ذاك ـ حال القطرة والنهر، وأفراد الجنود والجيش بمجموعه.
وكل جديد في المجتمع المتصاعد يزيد الاجتماع تصاعداً وتحركاً إلى الأمام، مثلاً: اختراع التراكتور، سبب اختراع سيارات آخر للدوس والحصاد والجمع والتسويق، وكثر من البطالة، حيث التراكتور تعمل عمل فلاحين كثيرين، وسبب ذلك ازدحام المدن، حيث أن الفلاحين أخذوا يهاجرون إلى المدن ليجدوا لقمة العيش بعد أن حرموا عن العمل الزراعي، ومن الواضح أن ازدحام المدن يسبب عدة تحركات في الثقافة، والبناء والمواصلات، وغيرها.


ملامح المجتمع الراكد


ثم إنه في المجتمع الراكد يركد كل شيء، ويسير الزمان بتؤده وبطؤ وتخلو الحياة عن التجدد، ويكون كل فكر جديد وحركة جديدة موضع الإعراض والازدراء والاستهزاء، وإن لم ينفع الإعراض في ردع من أتى بتلك الفكرة، وتلك الصنعة، حكم المجتمع عليه بالسجن والقتل ونحوهما.
وفي قبال المجتمع الراكد التفريطي: المجتمع المتحرك الفوضوي، حيث لا ميزان إطلاقاً فيسود الجهال ويعملون ما يحلو لهم، وهذا المجتمع الإفراطي معرض للسقوط السريع، حيث يكون حاله حال السيارة التي تسير بسرعة بدون مقود، فإنها ترتطم في حركتها بما يوجب سقوطها وتهشمها.
وإنما المجتمع المعتدل هو الذي له أسس ثابتة واقعية، وفي إطار تلك الأسس يتجدد ويتحرك ويبدع في الفكر والصنعة وما إليهما.
وبينما المجتمع المتحرك المتصاعد يجعل للتقدم جوائز ويشوق، سواء من اكتشف فكراً جديداً أو صنعة جديدة، يقف المجتمع الساكن ضد أولئك بالتكفير والتشهير والعقوبات الجسدية وما إلى ذلك، فقد قال المجتمع الجاهل عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه ساحر، وكاهن، ومجنون، ومسحور، وشاعر، وكافر، وما إلى ذلك، وأرادوا أن يثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، وفي القرن السابع عشر المسيحي لما اكتشف في عالم الغرب(2)(هاروي) الدورة الدموية، حاربه حتى الأطباء والمثقفين.
وقد وضع المقننون البريطانيون قانوناً يقتضي بمنع استعمال الفحم الحجري، وقد عاقبوا بالإعدام بعض من استعمله ـ في أول زمان كشفه ـ وإلى القرون الأخيرة كان الغرب يمنع المرأة حقوقها، وكان من يتفوه بلزوم إعطائها حقوقها يطرد ويهان، ويعاقب، وقصة توبة [غاليلوا] معروفة، إلى غير ذلك.

أسباب مقاومة المجتمع الراكد للتجديد


وإنما يقف الراكدون دون التجدد، لعدة أسباب:
1 ـ التقدم يوجب تحطم امتياز أصحاب الامتيازات، ولذا لما ظهر القطار خالفه أصحاب السيارات، اشد المخالفة… وكذلك في أصحاب الامتيازات الاجتماعية والسياسية، وغيرها.
2 ـ يخاف الراكدون من أنهم إذا أجازوا الجديد، أن يجد المجتمع سبيلاً إلى جديد آخر، مما يوجب تحطم الاجتماع بزعمهم.
3 ـ وقد يكون المنع لخوف أنه إذا انفتح الباب يصل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه، مثل أنه إذا استوردت بضاعة من بلد فلاني، خيف من انفتاح الطريق أمامه، مما ينجر إلى استعمار البلد المصدّر للبلد المستورد، ولذا كان الإمام يحيى في اليمن يمنع استيراد البضائع الأجنبية خوفاً من استعمارهم لليمن.
4 ـ لأن الإنسان يعتاد عمله، بينما لا يعتاد الشيء الجديد، وكذلك في الفكر، حال ذلك حال التقليد، فيقف الإنسان دون التجدد، خوفاً على تحطم ما اعتاده، ولذا كان الجاهليون يقولون: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)(3) وكانوا يقولون: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً)(4).
5 ـ أكثر الأفكار الجديدة لا تكون عند ظهورها كاملة، وكذلك في الصناعة حيث يكون كمال الفكر السابق أو مصنوعه، موجباً لتوقف الناس عن أخذ الجديد، أو استعماله.
6 ـ لا يريد بعض الناس الاعتراف بتفوق المفكر فكراً جديداً، أو مخترع الصنع الجديد، حسداً أو نحوه، ولذا يقفون سداً أمام فكره وعمله حتى لا يلزمهم الاعتراف به، ولذا قال أبو سفيان: كنا وقريش نطعم ونجير و… ثم ظهر فيهم من يقول أنا نبي!!.
7 ـ يعتاد بعض الناس أن ينسوا سيئات الماضي، ويروا حسناته، بينما يرون سيئات الحال، ويستصغرون حسناته في قبال سيئاته، ولذا لا يريدون تحول الحال.
8 ـ لأن الأمر الجديد يوجب انشقاق الاجتماع، ولا يريد بعض المصلحين انشقاقه، لأنهم يرون أن وحدته أصلح من صلاح الفكر الجديد، أو الصناعة الجديدة، أو لأنهم يرون الوحدة مطلقاً، وإن لم يروا الأصلحية، ولذا يقفون دون الشيء الجديد.
9 ـ لأن الفكر الجديد، أو الشيء الجديد ضار حقيقة، فاللازم الوقوف دون تسربه.
10 ـ لأن الصناعة الجديدة توجب تكاليف كثيرة، مما يفر الناس منها، وقد مثل بعضهم لذلك بالمطر الاصطناعي، فإنه وإن كان نافعاً جداً إلا أنه حيث يكلف تكاليف كثيرة ينسحب الناس من استعماله.
11 ـ لأنهم يفكرون أن مجتمعنا خير، حيث لا قلق فيه، ولا اضطراب، فاللازم الحيلولة دون أن يتحول إلى مجتمع مضطرب يبعث على القلق.
ولا يخفى، أن بعض هذه المبررات صحيحة، كما أن بعضها غير صحيحة وقد يمكن جمع مبررين من المذكورات تحت جامع واحد، إلا أنا ذكرناها منفصلة حيث المنطلقات مختلفة…


نعم للتجديد


وكيف كان، فاللازم على المفكرين والعقلاء في الاجتماع، أن يتعاملوا مع الفكر والصنعة الجديدين على الأصل، أي أصالة الحرية، إلا إذا كان ضاراً فيمنع، كما أن الأصل السماح للإنسان بالتجول ليلاً، أما إذا ظهر أنه لص أوقف، وربما يقال: بأن الأصل التوقيف، إلا ما خرج، ويستدل لذلك بأن الأمم المتأخرة إذا غزتها صناعات جديدة، حولت البلاد إلى مشاكل، حيث طبقة تقبل على الصناعة الجديدة، وطبقة لا تقبل، والطبقة التي تقبل ترتبط بالخارج، وذلك يسبب تغييراً في بعض عقيدتها، وفي بعض اقتصادياتها وفي بعض عاداتها.

وإذا بالمجتمع يصبح ذا لونين في العقيدة والاقتصاد والعادة والارتباط بالخارج، وذلك مبعث النزاع والشقاق ـ وكذلك بالنسبة إلى تقبل الأنظمة والأفكار كالفكرة الحزبية والبرلمان وما أشبه، مما ينجر أخيراً إلى الاستعمار.
وفيه (أولاً): أن الدليل أخص من المدعى، حيث ليس الكلام في خصوص المجتمع المتأخر الفقير المعرّض للاستعمار.
(وثانياً): اللازم علاج الأخطار لا الوقوف دون التقدم الصحيح.


يتبع

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح
عبير الروح
عضو ماسي
عضو ماسي

empty empty empty empty empty
empty empty empty empty empty empty empty empty empty انثى

عدد المساهمات : 29839

نقاط : 114743

تاريخ التسجيل : 09/02/2010

empty empty empty empty

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Empty رد: بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

مُساهمة من طرف عبير الروح الثلاثاء 31 مايو 2011, 12:15 am

مراحل علم الاجتماع


إذا لاحظنا علم النحو، رأينا أنه يمر بثلاث مراحل:
مرحلة المطالعة لكلمات العرب، ومرحلة كشف القوانين للغة العربية، ومرحلة تنظيم تلك القوانين في الكتب تنظيماً عمودياً، بتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير، وافقيً بترتيب المسائل التي لا ترتيب بينها… وإذا لاحظنا سائر العلوم رأينا فيها المراحل الثلاث، مثلاً: علم الطب يمر بمرحلة ملاحظة الطبيب الأبدان وأمراضها وعلاجها وعلائمها، ثم مرحلة كشف القوانين العامة أو الغالبية، ثم تدوين تلك القوانين عموديا وأفقياً.

وكذلك علم الاجتماع له هذه المراحل الثلاث فالعالم الاجتماعي:

(أولاً): يلاحظ الاجتماع، ويدقق في سير الأمور المرتبطة به تدقيق ملاحظة وإحصاء وكشف، لا تدقيق تجربة وعمل، إذ الاجتماع لا ينفعل وإنما يفعل بخلاف من يجرب دواءً فإنه يجربه بالفعل، أي يزرعه، ويسقيه ماءاً زائداً أو ناقصاً، ويقطعه ويعطيه لحيوان ليرى أثره فيه، إلى غير ذلك، فعلم الاجتماع داخل في سلسلة العلوم [الانفعالية] أي: [أن العالم يلاحظ] لا العلوم [الفعلية] فـ[إن العالم الاجتماعي لا يفعل ولا يجرب].
(وثانياً): يدرك القوانين المطلقة، مثل: قانون [الحسن يحسنه الاجتماع] و [القبيح يقبحه الاجتماع] وأنه [كلما ارتفعت ثقافة الناس ارتفع اقتصادهم] و [كلما تحسن أخلاق الاجتماع تقدمت ســائر شؤونهم] أو المــقيدة ـ أي بزمان أو مكان خاصين ـ مثل: [الولادة في الأرياف أكثر من الولادة في المدن] و [الثقافة في المدن أكثر من الثقافة في الأرياف] حيث أنه لا تلازم بين الأمرين، وإنما الحكم كذلك غالباً، في جملة من المدن والأرياف، لأسباب خاصة سببت هذا الاختلاف.
(وثالثاً): يضع عالم الاجتماع القوانين المكتشفة في مدونات خاصة، مرتبة عمودياً وأفقياً، ويخرج علم الاجتماع إلى الظهور… وقد كان علم الاجتماع قليلاً أو كثيراً منذ القديم منتشراً في كتب، ثم في القرون الأخيرة وضعت له كتب وقواعد وما اشبه، شأنه شأن سائر العلوم، التي كانت منتشرة ثم جمعت في مدونات خاصة، وتكاملت بكثرة البحث والمطالعة.


علم الاجتماع: الموضوع والمسائل والغرض



وحيث أن لكل علم موضوعاً، هو جامع موضوعات مسائله، ومحمولاً هو جامع محمولات مسائله، ومسائل موضوعاتها صغريات كـــلي الموضوع، ومحــمولاتها صغريات كلي المحمول، وبهذه الوحدة الاعتبارية يؤثر ذلك العلم في غرض خاص، هو مورد توجه المدون لذلك العلم… كان لعلم الاجتماع أيضاً تلك الأمور الثلاثة:

أ ـ فموضوع علم الاجتماع هو [كيفية الحياة البشرية من حيث الاجتماع]… وكما إذا قلنا: إن موضوع علم النحو [الكلمة من حيث نطق آخرها] كانت [الكلمة] موضوعاً للعلم جامعاً لموضوعات مسائله و[من حيث نطق آخرها] محمولاً للعلم، جامعاً لمحمولات مسائله… كذلك موضوع علم الاجتماع [كيفية الحياة البشرية] ومحموله [من حيث الاجتماع].
ولا يخفى أن علم الاجتماع بمعناه الأعم، يشمل الاجتماع الحيواني أيضاً مثل حياة النملة والنحلة والأرضة، وما أشبهها، لكن المهم عندنا الآن علم الاجتماع بمعناه الخاص، أي الاجتماع الإنساني.
ب ـ وسائل علم الاجتماع، صغريات ذلك الموضوع والــمحمول العـــامين مثل البحث عن الاجتماع المتقدم والمتأخر، والصناعي والزراعي وغيرهما، والمثقف والجاهل، والغني والفقير، والمستعمر والمستَعمر، إلى غيرها من المسائل الكثيرة.
ج ـ والغرض من هذا العلم: كشف القوانين الاجتماعية العامة أو الخاصة، لأجل معرفة الخطأ والصواب في الاجتماع، حتى يمكن انتشال الاجتماع المتأخر بترشيده الفكري ليعرف مواقع خطئه فيتجنبها، ولحفظ الاجتماع المتقدم عن الانحطاط بممارسة المناهج الصحيحة دائماً، ولحث الاجتماع المتقدم للمزيد من التقدم.
وبذلك ظهر [تعريف علم الاجتماع] بأنه معرفة القوانين الحاكمة على الحياة البشرية من حيث الاجتماع
مهمة علماء الاجتماع
ثم إن العالم الاجتماعي، لدى ملاحظته الاجتماع ووضعه حيث يكلف ببيان الروابط الاجتماعية يلزم عليه:
(أولاً): بيان:

1 ـ الروابط الأحيائية المبعثرة.
2 ـ الروابط التي يجري عليها الاجتماع عادة وتقليداً في شؤونه المتنوعة من ساعة ولادته إلى ما بعد موته، مما يشبه المؤسسات الدائمة، مثلاً: كل اجتماع له مراسيم خاصة للولادة، ومراسيم خاصة للزواج، ومراسيم خاصة للموت، ومراسيم خاصة للتهنئة والتعزية، مما يجري في الاجتماع نسلاً بعد نسل، وكأن تلك المراسيم مؤسسات تحقق خير الإنسان من ساعة ولادته إلى ساعة إهالة التراب مثلاً على قبره.
3 ـ الروابط الدائرة في مؤسساته المختلفة من رسمية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها.
و(ثانياً): بيان مواضع الخطأ والصواب، والحسن والأحسن، والسيء والأسوء، في تلك الأمور الثلاثة الآنفة الذكر، مثلاً: في مراسيم، الموت: من عادة بعض الوحوش أكل لحم ميتهم، ومن عادة بعض المبذرين دفنه بأشياء ثمينة، ومن عادة بعضهم حرق ميتهم، ومن عادة بعضهم دفنه في تابوت، كما أن من عادة المسلمين دفنه بعد تنظيفه [بالغسل] ولفه في ثوب نظيف [كالكفن] إلى غير ذلك، فاللازم على علم الاجتماع أن يبين فلسفة الفساد في الفاسد، والصلاح في الصالح، وبذلك يقرب الاجتماع إلى ما يصلحه ويقدمه، ويبعده عما يفسده ويؤخره.

ثم إن علم الاجتماع لما كان يأخذ سير الاجتماع وخصوصياته ومزاياه، فهو مجموعة علوم، ألغيت فيها جانب مزايا تلك العلوم، وأدرجت في علم الاجتماع، ولذا فاللازم ملاحظة أربعة أمور:

1 ـ علم الاجتماع من حيث الغرض.
2 ـ علم الاجتماع من حيث الموضوع.
3 ـ علم الاجتماع من حيث السند.
4 ـ علم الاجتماع من حيث الحدود.
علم الاجتماع النظري والعملي

أ ـ أما علم الاجتماع من حيث الغرض، فإنه ينقسم إلى:

1 ـ النظري.
2 ـ العملي.


فالأول: هو الذي يعتمد على الذهن أكثر مما يعتمد على الخارج بأن يأخذ من الخارج أشياء ليكشف بها القوانين العامة الحاكمة على الاجتماعات والمؤسسات الاجتماعية، من دون نظر إلى كيفية التطبيقات، بينما الثاني يهتم بالجانب العملي، أي كيف يمكن تطبيق تلك القوانين على الخارج، مثل: أنه كيف يمكن إصلاح الاجتماع؟ كيف يمكن التخطيط والهندسة للاجتماع؟ كيف يمكن القيام بالثورة الاجتماعية؟ وإلى آخره، مثلهما في ذلك، مثل من يتعلم قواعد علم الطب، ومن يتعلم كيف يطبق تلك القواعد على الخارج؟


علم الاجتماع سعة وضيقاً



ب ـ وأما علم الاجتماع من حيث الموضوع، فإن العالم الاجتماعي قد يتكلم، حول هذا العلم بمعناه العام من دون ملاحظة كل مسألة مسألة على حدة، وقد يخصص علمه بمسألة خاصة من هذا العلم، فإنه قد توسعت فروع علم الاجتماع، إلى علم الاجتماع السياسي، وعلم الاجتماع الاقتصادي، وعلم الاجتماع الـــصناعي، وعلم الاجـــتماع الزراعي، وعلم الاجتماع القضائي وعلم الاجتماع الحقوقي، وعلم الاجتماع الديني، والى غير ذلك.
(فالأول): وهو علم الاجتماع ـ بمعناه العام والمطلق ـ يأخذ من كل علم من هذه العلوم قدراً أساسياً، ويتكلم حوله باقتضاب، بينما (الثاني) يجعل أي فرع من تلك الفروع موضع هدفه، ويتكلم فيه بإسهاب، ويلحق بهذا القسم الثاني [فرع الفرع] كما إذا أخذ عالم الاجتماع [جانب الإنتاج الاجتماعي] أو [جانب التوزيع الاجتماعي] بالنسبة إلى الاقتصاد أو [جانب الأحزاب الاجتماعية] أو [جانب القدرة الاجتماعية] بالنسبة إلى السياسة.
علم الاجتماع من حيث السند
ج ـ وأما علم الاجتماع من حيث السند، فإن العالم الاجتماعي قد يسند في استخراجه القوانين إلى الوثائق والمدارك التاريخية، وذلك فيما إذا أراد التحقيق حول [الاجتماع التاريخي] وقد يسند في استخراجه القوانين إلى الاجتماع الحاضر المشاهد، وذلك فيما إذا أراد التحقيق حول [الاجتماع الحاضر] وإذا أراد عالم الاجتماع التحقيق حول ما سيكون عليه الاجتماع في المستقبل كان لابد وأن يسند إلى كلا السندين، لأجل التكهن بالمستقبل، في حدود الإمكان.
علم الاجتماع وسائر العلوم
د ـ وأما الأمر الرابع، وهو علم الاجتماع من حيث الحدود مع سائر العلوم، وبين علم الاجتماع المطلق، وعلم الاجتماع الخاص،

فهو على ثلاثة أمور:

1 ـ بين العلم العام والخاص، أي علم الاجتماع بصورة مطلقة، وعلم الاجتماع السياسي مثلاً، والنسبة بينهما نسبة [العموم المطلق] حيث الثاني أخص من الأول، نعم، هناك أمور تذكر في الخاص من حيث الاستيعاب لا يذكر في العام إلاّ بالإجمال والإيجاز.
2 ـ بين علم الاجتماع العام، وعلم الزراعة مثلاً، والنسبة بينهما [عموم من وجه] حيث أن علم الاجتماع يشمل الزراعة الاجتماعية والصناعة والسياسة وغيرها، بينما علم الزراعة يشمل هذا العلم سواء من جهته الاجتماعية أو سائر جهاته.
3 ـ بين علم الاجتماع الخاص، مثل علم الاجتماع الاقتصادي، وبين علم الاقتصاد، والنسبة بينهما عموماً من وجه، حيث أن [علم الاجتماع الاقتصادي] يلون علم الاقتصاد بلون الاجتماع، بينما ليس هذا موجوداً في علم الاقتصاد ومن ناحية أخرى، علم الاقتصاد يتعرض لما لا يتعرض له علم الاجتماع الاقتصادي مثل تاريخ الاقتصاد، وكيفية تحصيل الدولة لما تحتاجه من المال وكيفية صرفه، وأمور البنك وغير ذلك.

ما يجب ملاحظته في التحقيق الاجتماعي


بقي شيء، وهو أن من أهم ما يلزم على العالم الاجتماعي في تحقيقاته ملاحظة أمور:
أ ـ الدقة في التحقيق [فإنه بالإضافة إلى أن العلم أمانة، والخيانة من أشد المحرمات الشرعية العقلية].
قال سبحانه: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)
إن عدم استقامة القوانين والنظريات الاجتماعية ينتهي إلى ظلم الناس، وذلك محرم عقلاً وشرعاً أيضاً، مثلاً: لو لم يحقق العالم الاجتماعي في الفوائد الاجتماعية لتعدد الأحزاب، مما حبّذ وحدة الحزب اجتماعياً انتهى إلى الديكتاتورية الموجبة لهدر الأموال والأعراض والدماء، فإن العلم يأخذ طريقه إلى العمل غالباً.
قال سبحانه: (وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم)
وقال سبحانه: (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)
وقال سبحانه: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)
ب ـ عدم التعصب، فإن المحقق كثيراً ما يقع تحت نير التعصب، وذلك يحرف تحقيقه مما له آثار سيئة، ولا فرق في ذلك بين التعصب لبلده، أو قومه أو دينه، أو جماعته، أو غير ذلك.
ج ـ عدم تأثير القدرة عليه، سواء في الحكومات الديكتاتورية بسبب المال والسلاح، أو في الحكومات الاستشارية بسبب المال والجاه، ولذا نرى سقوط كثير من المؤرخين لأجل تزلفهم للسلطات خوفاً أو طمــعاً، فلا عبرة بتواريخهـــم، وهكذا حال غير المؤرخ من العلماء الذين يتأثرون بالقدرة، ويصبحون فقهاء البلاط، أو وعاظ الملوك، أو شعراء وكتاب الأمراء.
د ـ عدم تأثره بالدعاية والأجواء، فإن عدم الاحتياط والحزم والدقة، يسقط العالم في الأجواء المصطنعة، بدعاية أو غيرها، فإن ذلك أيضاً يوجب الانحراف المسقط للعالم الاجتماعي، وغيره عن درجة الاعتبار ديناً ودنياً.
وقد ورد في الحديث: (رحم الله إمرءا عمل عملاً فأتقنه)
وورد أيضاً: (من أبدى صفحته للحق هلك)
وقال سبحانه: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل له مما يكسبون)
وفي الحديث: (فلا يغرنك طنطنة الرجال من نفسك)



يتبع

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح
عبير الروح
عضو ماسي
عضو ماسي

empty empty empty empty empty
empty empty empty empty empty empty empty empty empty انثى

عدد المساهمات : 29839

نقاط : 114743

تاريخ التسجيل : 09/02/2010

empty empty empty empty

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Empty رد: بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

مُساهمة من طرف عبير الروح الثلاثاء 31 مايو 2011, 12:21 am

أصـل الاجتـماع




الإنسان خلقه الله سبحانه، جسماً ونفساً، وله متطلبات جسمية، ومتطلبات نفسية، فالأكل، والسكن، والراحة، واللباس، ونحوها من الأول، والعلم والأدب والاجتماع والفضيلة ونحوها من الثاني، ثم إن الله سبحانه هيأ للإنسان حاجياته ـ سواء حاجياته التي لا تحتاج إلى العمل كالهواء والأرض ونحوهما، أو التي تحتاج كالدار والمأكل والملبس ـ من ناحية، كما بيّن له بقوانين سماوية، كيفية حركته وسكونه وتفكيره وعمله، من ناحية ثانية، حاله في ذلك ـ في مثال بسيط ـ حال صانع معمل مّا، حيث يهيئ لوازم المعمل ويبين قوانين المعمل، فهناك في الخلقة، تعادل: بين الإنسان في حاجياته وقوانينه، والانحراف عن تلك القوانين يوجب العطب والهلاك ولذا قال سبحانه: (ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشة ضنكاً)(1).
وقال تعالى: (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(2) وقال عن لسان نوح: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً)(3).
فإن الإعراض عن القوانين الصالحة يوجب ارتطام الإنسان بالحواجز، كالذي يسير في الطريق المسدود، حيث يرتطم بالجدار… كما أن اتباع غير السنن الإلهية يوجب ثقل الحياة على الإنسان ثقلاً على نفسه [إصرهم] وثقلاً على أعضائه وجوارحه (والأغلال التي كانت عليهم)… أما الاستغفار بالسير في طريق الله ـ فإنه الاستغفار الحقيقي ـ فإنه يوجب تدارك نقص السابق (إنه كان غفاراً) كالمريض إذا شرب الدواء حيث يستعيد صحته، وإذا مشى الإنسان في طريق الله بالتعاون، وزراعة الأرض، وشق الأنهار، والتزاوج والاستيلاء، كان درّ المطر كثيراً، لأنه يتولد من كثرة مياه الأرض، ويكثر الأموال بالتجارة والزراعة والصناعة، ويكثر البنون، وتكون الجنات والأنهار: فالآيات الثلاث هي بيان لطبيعة عدم سلوك، أو سلوك القوانين الصالحة التي جعلها الله سبحانه، بالإضافة إلى الأمر الغيبي الذي يعمله سبحانه ما ورائيا.
فإن الحياة يسيرها أمران: [القوانين الطبيعية المودعة في الكون بإذن الله سبحانه] و [الأمور ألما ورائية التي يجريها الله سبحانه، بدون أسباب ظاهرة] كالمعمل الذي يسير بسبب قوانينه، وبسبب المهندس الذي يسيره.
أما من يقول بالإنسان الأول المنحدر من نسل الحيوان، وبالاشتراكية الأولى، وبالاجتماع لأجل الاقتصاد، وأن الاقتصاد هو البناء التحتي، لكل القوانين والأنظمة والأخلاق والآداب والأديان، وما إلى ذلك… فإنه لا يعوزه الدليل فحسب، بل الدليل على خلافه في كل خطوة خطوة.
بين الترابط والتباعد
ثم إن الإنسان حيث خلق اجتماعياً بالطبع، لا لحاجاته الجسدية فقط: بل لحاجاته النفسية، حيث الإنسان يستأنس بالإنسان، ويستوحش لفقده، كان الإنسان يؤثر في الإنسان الآخر ـ سواء كانا فردين، أو مجتمعين، أو بالاختلاف ـ والتأثير قد ينتج الإيجاب [بالترابط] وقد ينتج السلب [بالتدابر].
والترابط:
1 ـ قد يكون لأجل هدف واحد، فيجتمعون للوصول إليه بدون أن يكون للمجتمعين لون واحد، وهذا يسمى [بالترابط الهدفي].
2 ـ وقد يكون من أجل وحدة اللون التابعة لوحدة الثقافة، في الأخلاق والآداب والدين والمراسيم، وهذا يسمى [بالترابط الاجتماعي].
كما أن التدابر، بانفصال أحدهما عن الآخر على ثلاثة أقسام لأنه:
1 ـ قد يكون لأجل الوصول وحده إلى الهدف بدون عمل ما يوجب تأخير الآخر، وإن كان الآخر أيضاً يريد نفس الشيء ـ سواء في فردين أو جماعتين ـ وذا يسمى [بالاستباق] حيث أن كلا منهما يستبق الآخر في نيل هدف خاص كالمسابقة بالخيل.
2 ـ وقد يكون كالأول، ولكن مع عمل ما يوجب تأخير الآخر فهو إيجابي بالنسبة إلى نفسه وسلبي بالنسبة إلى الآخر، ويسمى [بالرقابة] كرقابة التجار وسائر الحرفيين.
3 ـ وقد يكون الثاني بإضافة كون الرقابة بالعداء والبغضاء ويسمى [بالمحاربة] كما في المقاتلات والحروب.
ثم إن كلا من الترابط والتدابر ـ غالباً ـ ينتهيان إلى المسالمة، وهي العيش الاجتماعي بين الفردين أو الطائفتين بسلام، فالمسالمة في الترابط، قد تكن مسالمة [الأمرية والمأمورية] حيث يتسلط أحد الطرفين على الآخر فيسلم الطرف الثاني بآمرية الطرف الأول، وقد تكون مسالمة [التوافق الاجتماعي] بدون الآمرية والمأمورية، والتوافق، قد يكون [بالعدل] بأن أعطى كل طرف حقه، وقد لا يكون بالعدل: مثلاً نهر بين قريتين، نفوس إحديهما ألف، ونفوس الأخرى ألفان، فإن قسم النهر بينهما نصفين كان مساواتهما بدون عدل، وإن قسم للأولى ثلثه كان عدلاً، فإن بين اللفظين عموماً من وجه.
وكل من الآمرية والمأمورية، والتوافق، قد يكون مع الرضا الباطني، وقد يكون بدونه وأهم القسمين ما يكون بالرضى ـ إذ المقسر لا يدوم ـ ولا يحصل الرضى الباطني، أبداً إلا إذا كان التطبيق يصادف الأصول المقبولة، وبعبارة أخرى [كان النظام مطابقاً للأيدلوجية] كأنه بدون ذلك يقع التدافع الخفي، ثم الجليّ، بين النظام والأصول، وينتهي أخيراً إلى الانفصام، سواء في الحقل السياسي أو الاقتصادي أو غيرهما
مثلاً: إذا كان السياسة المتخذة من الشريعة الإسلامية في قيادة الأمة [بالنحو الاستشاري] كانت القيادة الديكتاتورية فرضاً على الأمة، فيقع التصادم بين معتقد الأمــة، وبــيــن نظامــها السياسي، وذلك ينتهي ـ إن عاجلاً أو آجلاً ـ إلى التضارب والانفصام، ولذا قالوا خير القيادات وأطولها عمراً ما نبعت من باطن الأمة.
وكذلك في الاقتصاد، فإذا كان الاقتصاد الإسلامي أمراً وسطاً بين إفراط [الرأسمالية] وتفريط [الشيوعية]، كان الاقتصاد السليم القابل للتطبيق ما كان وسطاً بينهما، فإذا جعل النظام الاقتصادي مائلاً إلى أحدهما، أوجب التصارع بين الأصول [الأيدلوجية الاقتصادية] والتطبيق [النظام المجعول] وينتهي أخيراً إلى التعارض والانفصام… وكذلك الأمر في الثقافة وغيرها.

أما [المسالمة] التي ينتهي التخالف إليها، فالغالب أن تكون بسبب المصلحين، بعد تهيء الطرفين نفسياً لها، حيث أن الإنسان مغرور غالباً، فيزعم أنه بإمكانه أن يخرج خصمه عن الساحة، وبعد تجربة العداء، يرى أنه لم ينفعه ذلك، وأخذ من طاقاته الشيء الكثير، بالإضافة إلى ما حط من سمعته، بما لو صرفها في البناء لكان أجدى له، وذلك هو المناخ المناسب للتعايش السلمي وحينذاك ينشط المصلح لجعل شروط تقارب وجهات النظر، والتوافق بين الجانبين قد يكون على نحو: [المهادنة] أو على نحو: [المعاهدة] أو على نحو: [المصالحة] أو على نحو: [المعايشة] وهذه مراتب متدرجة فالمهادنة عدم الخصام، والمعاهدة يضاف إلى المهادنة، أن يتعهد كل طرف بعدم الاعتداء، ثم يأتي دور المصالحة، حيث يصطلح الطرفان ويكونان كأخوة، وأخيراً يمتزجان كجماعة واحدة وهي: [المعايشة].


الجمع والجماعة


حيث أن الإنسان خلقه الله محتاجاً إلى بني نوعه، لا في الجهات الجسمية فحسب، بل في جهاته الروحية أيضاً، كالعلم والعاطفة، وإظهار الصفات، وما أشبه، يجتمع مع الآخرين في اجتماعات صغيرة، ثم كبيرة، والاجتماع الذي يعيش الإنسان تحت ظله لا يكفيه غالباً، في ملاء رغباته، فيعمل لأجل أن يجتمع في وحدات، وهذه تسمى (بالجماعة) وهي غير [الجمع] فإن الأول له الانسجام والدوام النسبي، بخلاف الثاني، فإن الجمع يطلق على ما له المواصفات التالية:

الفرق بين الجمع والجماعة

1 ـ الجمع يجتمع تلقائياً، وبدون سابق تخطيط له كما إذا اجتمع جمع لأجل منظر أو حادثة سارة، أو حريق، نعم يمكن أن يكون الجمع، مقدمة (الجماعة) كما إذا استغل بعض الجمع، جماعة منهم لأجل تشكيلهم، بسبب متابعة هدف خاص، قصير الأمد أو طويله، كما إذا حدث زلزال، فاجتمع الناس، ثم استغل بعضهم، فجمع جمعاً منهم، لأجل تكوين جماعة لأجل تعمير مكان الزلزال، أو لأجل تكوين جماعة اقتصادية دائمة للقيام بالشؤون الاقتصادية لتلك المنطقة.
2 ـ الجمع سريع الزوال، فكما يجتمع فجأة ينفض فجأة، وقد يسمى بالغوغاء، وهذا يفسد أيضاً، قال عليه السلام: (إذا اجتمعوا ضروا، وإذا تفرقوا نفعوا)(1) ثم فسر نفعهم في التفرق، بأن كل واحد يذهب إلى عمله.
3 ـ الجمع ليس بين أعضائه تجانس، بخلاف الجماعة، فالجمع يجتمع تلقائياً، بينما الجماعة إنما تكون بين أصحاب أهداف مشتركة، فالجماعة السياسية أو التربوية، إنما تجتمع لأجل تسيير دفة السياسة، أو لأجل تربية المجتمع، بينما الذين يجتمعون لأجل منظر أو مأساة يدخل فيهم العالم والجاهل والعامل والبطال، وإلى آخره.
4 ـ الجمع يمكن بدون تجمع أفراده، كالذين يأتون لانتخاب النواب، حيث يأتي كل واحد ويذهب بدون تجمع بين أفراده، وكالذين يحضرون الولائم أفراداً أفراداً، بينما الجماعة لابد لها من التجمع، لأن الجماعة تستشير، وتصمم، وتوزع الأعمال، وكل ذلك يحتاج إلى تجمع ولو تلفزيوني.

العقل أم العاطفة؟



5 ـ الجمع ـ غالباً ـ تحدوه العاطفة الشديدة للتجمع والعمل بدون تفكر في العواقب ولذا يذوب الفرد في الجمع، حيث لا يرى إلا الجهة التي ينساق إليها، بسبب تلك العاطفة المشبوبة، والغالب أن الديكتاتوريين يستفيدون من هذه العاطفة في سوق الناس إلى أهدافهم، ولذا نرى أن مثل ذلك يلازم تقديساً مطلقاً لديكتاتور هو وراء الإثارة.
لكن يلزم أن يعلم أن مثل هذه الحالة سواء كانت في الجمع أو في الجماعة لها رد الفعل من جهات:
أ ـ من جهة أن العقل أخيراً يغلب على العاطفة، فينقلب العمل المعمول فترة إلى أبشع صور الكره والذم، ويبقى الذم على القائمين بذلك، طول المستقبل.
ب ـ سقوط الديكتاتور الذي وراء العمل سقوطاً هائلاً، حيث تنكشف عوراته وحيله ومكايده.
ج ـ تسلط الأعداء على مثل تلك الجماعة، حيث أن الأعداء يعملون بتعقل، والجماعة عملت بعاطفة، والعاطفة لا تتمكن من البناء فتسقط، بينما العقل يتمكن من البناء فيغلب.
ومن الأمثلة في العصر السابق، بنو أمية حيث استغلوا عواطف السذج ضد أهل البيت عليهم السلام، فتسلط عليهم أعداؤهم ونسفوهم بما بقوا لعنة التاريخ.
كما أن من الأمثلة في العصر الحاضر، هتلر، وستالين، وموسيليني، وماو حيث سقط كلهم سقوطاً ذريعاً، فانتحر الأول، وقسمت ألمانيا، وأحرقوا الثاني بعد موته، وصار بلد الثالث مرتعاً للماسونية وأعمال العنف، إلى الآن، وصار ماو فضيحة التاريخ، وتغلب أعداء الصين عليه، ومن الأمثلة في البلاد الإسلامية، أتاتورك، والبهلوي وياسين وغيرهم.
6 ـ الجمع غالباً لا تركيب ثابت له بينما الجماعة بالعكس، فالجماعة لها أعضاء يغلب بقاؤهم، وتبدلهم قليل، أما الجمع ـ كالذين يجتمعون لمشاهدة زلزال أو مظاهرة فجائية أو ما أشبه ـ فأعضاء منه ينصرف، ويلحق إلى الجمع أعضاء أخر، ففي كل مدة التجمع لا يكون الأعضاء باقين.

ل تشكل الجماعات
قد تقدم بعض الكلام حول الاجتماع، وبقي بعض آخر حول الجماعات بمختلف أشكالها وأساميها فنشرحه في هذا البحث، إن الجماعة إنما تتشكل لأحد أمور ثلاثة:


1 ـ لأجل الاحتياج الذاتي، إما حاجة دينية أو حاجة دنيوية، مادية، أو غير مادية. فالحاجة الدينية مثلاً الصلاة الواجبة جماعة كالفطر والأضحى والجمعة في أيام الحضور والحاجة الدنيوية المادية، مثل ما إذا اجتمعوا لأجل بناء أو صنع طعام، أو ما أشبه مما لا يتأتى إلاّ بالجماعة، والحاجة الدنيوية غير المادية، مثل الجماعة لأجل اللعب، أو النظر إلى تمثيلية أو نحوهما.
2 ـ لأجل قضاء حاجة الاجتماع، مثل الجماعات الخيرية الاجتماعية لأجل حاجة الاجتماع، كما تتشكل جماعة لأجل فتح المدارس والمستشفيات وبناء دور للفقراء، وما أشبه ذلك، وفي هذا يدخل ما يتشكل لأجل دفع حاجة الاجتماع الدينية، كتشكل الجمعية لأجل بناء المساجد في القرى الجدد التي لا مساجد لها.
3 ـ لأجل الضغط الاجتماعي، مما ليس سببه القريب الاحتياج الذاتي أو الغيري ـ وإن كان ينتهي بالآخرة إلى أحد الأمرين السابقين ـ كالاجتماع لأجل تكليف مجلس الأمة بعض أعضائه، لأجل النظر في قانون أو حاجة اجتماعية أو ما أشبه ذلك، فإن الضغط الاجتماعي المنصب على المجلس، سبب تكليف الأعضاء من قبل المجلس بذلك.
التسالم والتنازع في الجماعات
ثم إن الجماعات المتشكلة حسب اختلاف ثقافتها من ناحية، واختلاف المحيطين الطبيعي والاجتماعي من ناحية ثانية، تنقسم إلى:
1 ـ ما يميل إلى التسالم.
2 ـ وما يميل إلى التنازع.
فقد تكون الثقافة المبني عليها الجماعة ثقافة سلام، وقد تكون بالعكس، كما أن الاجتماع قد يحبّذ السلام، وقد يحبّذ النزاع، وطبقاً لذلك فالجماعة أيضاً تميل إلى أي منهما.
أما المحيط الطبيعي فالمحيطات الحارة ذات المياه الثقيلة أقرب إلى تربية الجماعة خشنة الأخلاق، بينما المحيطات الباردة بالعكس تربي الجماعة جانحة إلى السلام، ولا يخفى أنه بالإمكان تبديل الثقافة الخشنة [في المجتمع] إلى الثقافة المسالمة وكذلك المحيط الطبيعي بتغيير الماء والهواء، بصنع الأنهار الجارية، ولو من الآبار الارتوازية، فإن الماء الجاري يكون خفيفاً من جهة كثرة مرور الهواء في داخله بالعكس من الماء الراكد الموجب لثقله، ثم يصفي الماء من المواد العالقة، حتى يخف ولا يؤثر في أحداث الأرياح الغليظة في البدن، مما يسبب سوء الهضم والمرض، وأخيراً سوء الأخلاق.
وأما الهواء فبكثرة التشجير، والأحواض والنافورات، والساحات العامة الملطفة بالماء والشجر، وقد استخدمت حكومة بعض البلاد خبراء لتخفيف حر الصيف حيث كان يصل إلى خمس وخمسين درجة بالإضافة إلى رطوبة الهواء والغبار، مما يزيد الأمر إعضالاً؟ فقالوا بأن التخفيف ممكن بقدر عشر درجات، إذا غرست الدولة مأة وعشرة ملايين شجرة… ثم للطعام أيضاً الأثر البالغ في السلام والنزاع، كما أن المنهج الحيوي المقرر له تأثيره أيضاً.

فالأطعمة الباردة طبعاً، تسبب ميل الإنسان إلى البرودة المنتجة للسلام، وبالعكس من ذلك الأطعمة الحارة، وإذا كانت الأنظمة مرعية، والمواعيد مضبوطة، والمشاكل محلولة بمناهج سهلة و… مالت الأمزجة إلى السلام، بينما العكس يكون مبعثاً لخلاف ذلك.
روى حبيب الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضلكم أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم)

وعن القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المؤمن ألف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)
وقال علي عليه السلام ـ كما في نهج البلاغة ـ: (قلوب الرجال وحشية فمن تألفها أقبلت عليه)

وعن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً، قالوا: بلى يا بن رسول الله، قال: الهين القريب، اللين السهل)

وعن علي بن دعبل، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المؤمن هيّن ليّن سمح له خلق حسن، والكافر فظ غليظ له خلق سيء وفيه جبرية)

وفي الرسالة الذهبية للإمام الرضا عليه السلام: (إن قوى النفس تابعة لمزاجات الأبدان، ومزاجات الأبدان لتصرف الهواء، فإذا برد مرة وسخن أخرى تغيرت بسببه الأبدان وتابعه الصور، فإذا استوى الهواء واعتدل صار الجسم معتدلاً لأن الله عز وجل بنى الأجسام على أربع طبائع: على الدم، والبلغم، والصفراء، والسوداء. فاثنان حاران، واثنان باردان، وخولف بينهما، فجعل حار يابس، وحار لين، وبارد يابس، وبارد لين، ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد: على الرأس، والصدر، والشراسيف، وأسفل البطن) إلى آخره.


النضج الفكري يقلل النزاعات


ثم إن الجماعة كلما قربت إلى الفهم مالت إلى المعايشة بسلام مع كل الجماعات، سواء جمعهم الإطار العام أم لا، وإنا نرى أن البلاد الأوربية تحاربت طويلاً، ثم سالمت بعضها البعض، لكنها لم تصل بعد إلى المسالمة مع العالم الثالث ـ مثلاً ـ حيث أن استعمار فرنسا وبريطانيا، وغيرهما لازال موجوداً بينما أنا نجد أن البلاد الإسلامية حيث ابتعدت من الكتاب والسنة تحارب بعضها بعضاً في سبيل الأوهام، بمختلف أنواع المحاربة.
ولو أخذت الدنيا بالعقل والعدل، اختفت الحروب حيث أن سبب الحروب والمنازعات إما الأوهام، وإرادة كل أن يتقدم مما ليس حقه، وإما المال حيث يستغل بعضهم بعضاً، فالاتحاد السوفياتي وأمريكا مثلاً يحاربان الشعوب، الأولى لحب السلطة والثانية لحب الثروة، أما بريطانيا فإنها تحارب لأجل أن لا ترجع إلى مكانها اللائق بها مما يقضيه حجمها الواقعي.
لا يقال: فكيف الإسلام يحارب؟
لأنه يقال: إنه يحارب:
1 ـ لأجل الدفاع عن نفسه أمام المهاجمين وهذا بسببهم لا بسببه.
2 ـ لأجل إعلاء كلمة الله، وإنقاذ المستضعفين، حيث يريد إنقاذ الناس من الخرافة، أو إنقاذ المستضعفين من براثن المستغلين والمستكبرين، فيحارب الذين انحرفوا لأجل إزاحتهم فقط، وبقدر أقصى والضرورة.
3 ـ لأجل إخماد البغاة الذين بغوا، وكل ذلك يرجع إلى رد الاعتداء لا الاعتداء وذلك لا ينافي ما ذكرناه من أن العقل والعدل يوجبان اختفاء الحروب.
ولذا كان الوعي من أوليات لوازم العيش بسلام، للجماعة مع الجماعات الأخر، فإن فهم [إن عدم الانسجام ينتهي إلى سقوط عدم المنسجم بنفسه] يوجب الانسجام والوئام، ولذا ورد في الحديث، أنه سأل عليه السلام عن الحيلة؟ فقال: (في ترك الحيلة).
أنواع التسالم
ثم اللازم أن لا يكون التسالم والتعاون ناشئاً عن الاحتياج، وإلا لم يكن له فضيلة أولاً، ولا دوام ثانياً، بل اللازم أن يكون عن علاقة وحب لنوع الإنسان، وقد قال الإمام الحسين عليه السلام لأهل الكوفة: (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)

وعليه، فالتسالم على ثلاثة أنواع:


1 ـ أن يكون لعدم التصادم في المصالح.
2 ـ أن يكون للاحتياج والترابط في المصالح.
3 ـ أن يكون لأجل الإنسانية والفضيلة وهذا الثالث، بالإضافة إلى أنه معنى سام، أدوم وأبقى وأكمل وأجمل، وقد سمى بعض علماء الاجتماع القسم الثاني، بالوحدة الميكانيكية، والقسم الثالث بالوحدة الحيوية.
وحيث أن أفراد الجماعة المتشكلة لا يمكن أن يكون تسالمهم من القسم الأول كان لابد وأن يكون من أحد القسمين الأخيرين، من غير فرق بين أن يكون الاحتياج في القسم الثاني مادياً، كما إذا تشكلوا لأجل مطعمهم ومسكنهم، أو معنوياً كما إذا تشكلوا لأجل العلم والثقافة والفن ونحوها.
ثم إنه كلما كان الانسجام بين أفراد الجماعة أكثر، بأن كانت الأنفس مماثلة في التربية، كان التحام الجماعة أكثر، وكان التقدم أسرع، وكانت النتائج أكبر، وبالعكس من كل ذلك ما كان الابتعاد بين النفسيّات أكثر، لعدم وحدة التربية، بله ما إذا كان بعض سيء التربية.

يتبع

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح
عبير الروح
عضو ماسي
عضو ماسي

empty empty empty empty empty
empty empty empty empty empty empty empty empty empty انثى

عدد المساهمات : 29839

نقاط : 114743

تاريخ التسجيل : 09/02/2010

empty empty empty empty

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Empty رد: بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

مُساهمة من طرف عبير الروح الثلاثاء 31 مايو 2011, 12:27 am




لأدوار الاجتماعية


1 ـ الاجتماع يتجزأ إلى رتب اجتماعية، كل فرد في درجة خاصة منها.
2 ـ والإنسان في درجته الاجتماعية، له مكانة خاصه به، وتسمى بالمكانة الاجتماعية، والفرق بينهما بالعموم المطلق فكل مكانة اجتماعية لابد وأن تكون تحت درجة اجتماعية خاصة، وليس كل درجة تلازم المكانة.
3 ـ ثم الفرد يقوم بدور اجتماعي، حسب مكانته ـ غالباً ـ وذلك الدور ينقسم إلى: أ ـ دور محوّل إليه. ب ـ ودور هو يقوم به خارج ما حول إليه.
4 ـ ثم للإنسان تحرك اجتماعي في رتبته ومكانته: أ ـ أحياناً أفقياً. ب ـ وأحياناً عمودياً.
5 ـ وأخيراً يأتي دور تأثير الأمور السابقة في حياة الإنسان الفردية، والاجتماعية:
أ ـ الاجتماع الخاص به، كما إذا كان عضواً في جماعة.
ب ـ والاجتماع العام، أي المجتمع، وقبل ذكر تفاصيل هذه الأمور نذكر قطعة من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، حول

الرتب الاجتماعية:


قال عليه السلام: (واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غني ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة.
وكل قــد سمى الله له سهــمه، ووضــع على حـــده فريضة في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله عهداً منه عندنا محفوظاً)

أقول: لعل المراد بالسهم نصيبه وحقه، وبالفريضة واجبه الذي يجب عليه أن يأتي به، فإن الحق في قبال الواجب.
أما تفاصيل البنود التي ذكرناها في البدء فهي كالتالي:


مقياس الرتب الاجتماعية


(الأول) الرتبة الاجتماعية، عبارة عن مثل رتبة العلماء، ورتبة المعلمين، ورتبة الخطباء، ورتبة التجار، ورتبة الجنود، ورتبة العمال، ورتبة الفلاحين، وما أشبه ذلك فكل جماعة لهم تمايز عن جماعة أخرى، تسمى رتبة، وهناك أقوال أخر لعلماء الاجتماع في وجه تمايز رتبة من رتبة:
أ ـ فالشيوعيون ذهبوا إلى أن تمايز معيار الرتب مالكية وسائل الإنتاج والقدرة الناشئة من ذلك، وعليه فالاجتماع رتبتان أساسيتان الملاك وغيرهم والأولون ينقسمون إلى كبار الملاك وصغارهم.
وفيه: أنهم إن أرادوا صرف الاصطلاح فلا مشاحة فيه، فهو مثل أن نقسم الناس إلى رتبة الرجال، ورتبة النساء، ورتبة الخناثى، وإن أرادوا الواقع فقد ثبت في العلم بطلان النظرية القائلة بأن الاقتصاد هو البناء التحتي للمجتمع… ثم على فرض تسليم أنه البناء التحتي، فأي ربط بين ذلك وبين انقسام رتب الاجتماع بالنسبة إلى ذلك.
ب ـ وذهب آخرون إلى أن التمايز ينشأ من تصور كل جماعة لأنفسهم ميزة خاصة، مثل أن من تصور أنه من الأشراف حشر معهم، ومن تصور نفسه من العلماء حشر معهم، وهكذا، وإن لم يكن في الواقع من أولئك.
وفيه: أن الأمر واقعي لا تصوري، فحشر غير العالم نفسه مع العالم لا يجعله من رتبة العلماء، كما أن حشر العالم نفسه مع الجنود ـ مثلاً ـ لا يجعله من رتبة الجنود.
ج ـ وذهب ثالث إلى أن المعيار في الرتبة الشغل، وفيه: إنه في الجملة وإن كان صحيحاً، إلا أن الشغل يعطي التصنيف لا الرتب، فالتجار رتبة واحدة وإن كان شغل جماعة منهم التجارة في الأراضي، وآخرين التجارة في الأسهم والسندات، وثالث التجارة في مواد الإنشاء، وهكذا بالنسبة إلى أصناف سائر الرتب.
د ـ ومن ذلك ظهر بطلان قول القائل أن منشأ الرتب، مقدار الدخل ومصدره أو محل السكونة ونحو ذلك، فإنه وإن كان صحيحاً أن جماعة يسكنون محلاً خاصاً، ينضم بعضهم إلى بعض في كثير من الشؤون، كما أنه وإن كان صحيحاً أن المتساوين في الدخل لهم أحكام جامعة، مثل كون عيشهم شبه متساو، ونحو ذلك.
إلا أن أمثال هذه الأمور لا توجب تسمية الأفراد الذين هم تحت أمثال هذه الكليات رتبة، إلا إذا أريد الاصطلاح المجرد، فإن الرتبة الاجتماعية حقيقة اجتماعية، وهي كما ذكرناه في أول البحث، ولذا لا يقال: الرتبة الساكنة في محلة كذا، ولا الرتبة الذين يملك كل أحد منهم مأة ألف، إلى غير ذلك.

المجتمع وحركة التاريخ



هل التاريخ يصعد، أو ينزل، أو يدور؟ اختلاف بين علماء الاجتماع، فالمشهور منهم قالوا بصعود التاريخ وتقدمه، لكن لا بمعنى عدم الميل والتعرج له، بل بمعنى أن الأصل تقدمه إلى طرد، وإنما الميل والدوران والتنزل فيه أمر عارض، لا يوجد حتى يرتفع ويأخذ التاريخ مسيره التكاملي، وجماعة قالوا بأن التاريخ آخذ في النزول بالنسبة إلى الإنسان ـ الذي هو المحور ـ وإن كان في صعود بالنسبة إلى الآلة، إذ الآلة جماد ليس الكلام فيها بمهم، في هذا البحث، وإنما الكلام في الإنسان.
ومعنى نزول التاريخ بالنسبة إليه أن تزداد مشاكله حيناً بعد حين حتى تصل الحياة إلى ما لا يطاق، ويدل عليه ما يحدث التاريخ من رفاه الإباء بما لا يوجد مثله في الحال الحاضر، حتى أن كل إنسان تراه، يكون مهموماً ولو من جهة.
أما الذين ذهبوا إلى دوران التاريخ، فقالوا التاريخ يعيد نفسه، فلا صعود ولا نزول، وإنما يتقدم خطوة ليتأخر بعد ذلــك خطوة، وكلمــا صلح حال الإنسان من جــانب فسد من جانب ـ في كل زمان قديسون وأشرار، وظالمون ومظلومون، ومرفهون وفقراء، وهكذا، وهذا معنى دوران التاريخ.


الإنسان… في طريق الصعود


والظاهر أن القول الأول أقرب لما نرى من تقدم الإنسان في كل الميادين وشتى المجالات، ولسنا الآن بصدد تفصيل الأدلة والجواب، وإنما المهم أن يعمل الإنسان في هذا الخط، لتقديــم الإنسان إلى الأمـــام، أما مشاكله، فـــاللازم أن تحلّ، وحل المشاكل إنما يكون بالإيمان والتقوى، حيث يتبع ذلك عدم استغلال الإنسان للإنسان في الحكم والعلم والاقتصاد، وإنما يكون لكل سعيه حسب كفاءته، كما ألمعنا إلى ذلك في بعض المسائل السابقة.


كيف تتوفر سعادة الإنسان؟


والهدف من صعود الإنسان سعادته، وهي لا تتوفر إلا في ظل العدالة، وهي بمعنى إعطاء كل ذي حق حقه، وكما في الأمور المادية هناك حركة أفقية، وحركة عمودية، فالإنسان قد يسير من مكان إلى مكان، وقد يصعد إلى السطح، كذلك في الحركة المعنوية، قد يسير الإنسان إلى الأمام، وهذا ما يسمى بالتقدم الكمي، وقد يصعد في سيره التاريخي، وهذا ما يسمى بالتقدم الكيفي مثلاً، كلما سببت الآلة سرعة السير، كان ذلك في الكم، وكلما سببت رفاه المسافر كان ذلك في الكيف.
فإذا تمكن الإنسان من تعميم [الحرية] و [العدالة] و [الأخوة] كان ذلك حركة في الكم، أما إذا تمكن من تحسين كيفية المذكورات، كان حركة في الكيف.
وإذا شئت قلت: إن الثلاثة الأول بمنزلة الواجب والأخير بمنزلة المستحب.
قال سبحانه: (يأخذوا بأحسنها) (1) والحرية عبارة عن إلغاء القيود سواء كانت على روح الإنسان، أو على جسده.
قال سبحانه: (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(2).
فسوء الأخلاق وما أشبه يوجب الإصر، أما تحديد سفر الإنسان وإقامته وزراعته وتجارته، فهو أغلال على الإنسان… والعدالة أن يعطى كل إنسان حسب حقه، وهي الحق، لا المساواة، إذ إعطاء المهندس بقدر العامل ظلم للمهندس، أما العكس أي إعطاء العامل بقدر المهندس، فهو اعتباط، وقد يعبر عنه بأنه ظلم للمال، ولذا ورد: (لا تمنعوا الحكمة عن أهلها فتظلموهم، ولا تبذلوها لغير أهلها فتظلموها)(3) فإن إسكان الغزلان في البستان ليفسدوا فيه ظلم للبستان.
أما الأخوة فهي أمر معنوي، فإن رؤية الناس متساويين أمر عاطفي، بينما العدالة أمر عقلي، أما التساوي في القانون وما أشبه فهو من العدالة، حيث لا مزية لأحد على الآخر… ولذا نرى تارة يعبر بالعدالة وأخرى بالمساواة.
قال تعالى: (ومن يأمر بالعدل)(4).
وقال عليه السلام: (الناس من جهة التمثال أكفاء)(5) وقد يراد بالأخوة الأعم من العدالة والمساواة، أما لو جعلت الثلاثة في قبال الأخر، فيراد بالحرية ما ذكرناه وبالعدالة ما تقدم، وبالأخوة الأمر العاطفي، إذ لا أمر مادي بعد العدالة حتى يكون مشمولاً للأخوة، بل ربما يكتفي بالعدالة فقط حيث أن الحرية أيضاً داخلة فيها، فإنه بدون إعطاء الحرية لا تكون عدالة.
التأثير المتقابل بين المحيط الاجتماعي والمحيط الطبيعي
بين المحيط الاجتماعي والمحيط الطبيعي تأثير متقابل، فكل واحد منهما يؤثر على الآخر، تأثيراً كثيراً أحياناً، وقليلاً أحياناً، ويتراوح الأمر بين الجانبين، فربما كان تأثير أحدهم على الآخر أكثر من العكس، إذ كلما كان الاجتماع أكثر قدرة من حيث الفكر والآلة والصنعة، كان تأثيره على الطبيعة أكثر، وكلما كان بالعكس كان تأثير الطبيعة على الاجتماع أكثر.
فمن ناحية قوة الاجتماع يقلع الإنسان أشجار الغابة الزائدة ويجفف المستنقع ويغير مجرى الأنهر، ويقلع الجبال، ويشق في ظاهرها الطرق، وينقب في باطنها لمرور السيارات والقطارات، وينقب تحت الأرض ليصنع المدن ونحوها، أو ليستخرج المعادن ويغير الهواء [ـ على الأقل ـ في داخل الغرف] من الحر إلى البرد وبالعكس، وينشأ المطر، ويقرب البعيد بالوسائل السمعية والبصرية، وبالمواصلات، وينير ظلام الليل، وظلام القطب، ويستخدم قوى المياه والأرياح لأجل إدارة المعامل ويشق في الأراضي النائية الوعرة الطرق، ويثقب الأرض حتى يصل إلى المواد المذابة في داخلها لأجل الاستفادة من حرها في النور والحركة، والحاصل: أنه يهيئ لنفسه وسائل الراحة والتقدم من الطبيعة.
ومن ناحية الطبيعة، تؤثر الطبيعة في الإنسان في تغيير بشرته، وتجعيد شعره، وانكماش جلده، وتصغير ثقب أنفه ـ كما في الذين يعيشون في البرد القارص حيث أن الإنسان يصغر ثقب أنفه حتى يصعب وصول الهواء البارد بسرعة إلى رئته، بحيث يوجب له الأمراض ـ وتشحيذ ذكائه في المناطق الحارة في الجملة، أو تكثير بلادته في المناطق الباردة في الجملة، وتحريف مزاجه أو استقامته، وسرعة بلوغه، لأن النضج يكون أسرع، أو تأخيره ـ في مجال الممكن بين الأمرين ـ وسرعة أو بطوء شيبه، فالأول في المناطق الحارة، والثاني في المناطق الباردة، كما أن الأغذية المختلفة والمياه كذلك تسبب صحة الإنسان تارة، ومرضه أخرى.
وقد تسهل الطبيعة فيتمكن الإنسان فيها من بناء الحضارة، سواء بناها أم لا وقد تصعب فيصعب للإنسان بناء الحضارة فيها… ولا تلازم بين الأقوام المختلفة في الاستفادة وعدمها كما لا تلازم بين وحدة الطبيعة ووحدة خصوصيات الأقوام فمثلاً: في النرويج قومان، أحدهما أرفع طولاً من الآخر وأحدهما أنصع لوناً من الآخر، وفي مكة المكرمة كانت تعيش قريش وأمية، وأخلاق الأولى العدل والكرم والصراحة والصفاء والخدمة، بينما أخلاق الثانية بالعكس تماماً من الأولى.
وفي الجنوب الغربي من أمريكا يعيش قومان من الهنود الحمر [هوبي] و [ناواهو] فمع اتحاد المناخ بالنسبة لهما، واتحاد المزاج فيهما، فهوبي يمتهنون الزراعة، ويبنون البنايات الكثيرة الطبقات، بينما ناواهو يمتهنون الرعي، ويسكنون عمارات ذات طبقة واحدة.
نعم الغالب أن المناخ الواحد يشبه ساكنوه بعضهم البعض في أكثر الأمور، كما أن الساكنين [في مناخ واحد يستفيدون من خيرات الطبيعة استفادة واحدة].

قد تختلف معيشة الأبناء مع معيشة الآباء


ولا تلازم بين كيفية معيشة الآباء ومعيشة الأبناء، وإن كان المناخ واحداً والكيفية العامة واحدة، إذ كثيراً ما تنقلب أحوال الأمم من حالة إلى حالة، حتى في جيل واحد وذلك حسب اختلاف الثقافة والأسوة، فقد أرى التاريخ أن عرب الجاهلية، كانوا في شظف من العيش [يشربون الطرق، ويقتاتون القد والورق] وكانوا أذلة خاسئين، الجهل صبغتهم العامة، ووأد البنات من المكرمات عندهم، والقتال ونهب الأموال وهتك الأعراض ديدنهم والعبادة للخشب والحجارة مفخرتهم، والمعاقرة والزنا والشذوذ الجنسي رائجة بينهم.
وفجأة تحولت تلك الأمة ـ ببركة الإسلام ـ إلى كل ما كان يخالف حالتهم السابقة حتى صاروا (خير أمة أخرجت للناس) و (شهداء على الناس) و (أمة وسطاً) بلا إفراط وتفريط وقد حملوا مشاعل العلم والهداية والفضيلة والتقوى إلى مشارق الأرض ومغاربها.



يتبع

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح
عبير الروح
عضو ماسي
عضو ماسي

empty empty empty empty empty
empty empty empty empty empty empty empty empty empty انثى

عدد المساهمات : 29839

نقاط : 114743

تاريخ التسجيل : 09/02/2010

empty empty empty empty

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Empty رد: بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

مُساهمة من طرف عبير الروح الثلاثاء 31 مايو 2011, 12:35 am



الفرد والعوامل الخارجية المؤثرة


إذا أردنا أن نعرف الاجتماع يلزم علينا أن نعرف كيف يتولد الاجتماع، وكيف يعيش، وكيف يصعد ويهبط، وكيف يضعف ويقوى كماً أو كيفاً؟
فنقول: الاجتماع مركب من أفراد، وحالات الأفراد تتجلى في الاجتماع، ولذا يلزم أن نعرف أول ما نعرف، ما هي العوامل المؤثرة في الفرد؟
إن العوامل المؤثرة في الفرد ـ على الأغلب ـ أمور عشرة:
1 ـ الجسم:


(الأول): جسمه الظاهر، فإن التركيب الخاص ببدن الإنسان، مما يؤثر في سلوكه وأعماله واجتماعه فلو كان الإنسان مثل الفيل، أو مثل الطير، أو مثل السمك، أو مثل النمل، لكان الاجتماع الإنسان بغير هذه الصورة الحالية، وإن كان في داخل ذلك الإنسان المفروض نفس العقل والغرائز الموجودة الآن في داخل هذا الإنسان بهذا الشكل… كما أن تلك الحيوانات التي مثل بها إذا كانت في غير تلك الأشكال، لكان لها حياة بغير هذه الحياة التي تعيشها الآن، مثلاً: لو كان النمل بقدر الحمام هل كان يعيش في ثقب البيوت؟ أو هل كان يقتنع بجمع ذرات الطعام؟ ولو كان الفيل ذا أجنحة، هل كان يعيش كما يعيش الآن؟
إن نطفة كل حيوان أو نبات ـ بأية كيفية كانتا ـ لابد وأن تشتمل على أربعة أجهزة [قوى] هي التي تسير الحيوان من بدء تكونه إلى يوم وفاته، وكذلك هذه الأربعة موجودة في داخل كل نطفة ثمرة، وفي نطفة الإنسان أيضاً:
1 ـ الجهاز الذي لا يترك الجسم ليكبر عن قدره المقدر له، أو يصغر عن ذلك، فمثلاً العصفور لا يبقى بقدرة جرادة، ولا يكبر إلى أن يكون بقدر الحمام، وكذلك قل في التفاح أنه لا يبقى صغيراً بقدر لوزة، ولا يكبر بقدر دابوعة، والإنسان لا يبقى صغيراً بقدر أرنبة، ولا يكبر بقدر الخرتيت، أليس كل ذلك بسبب جهاز مخفي يترك الشيء إلى أن يصل قدره، ثم يمسكه أن يتجاوز عن ذلك القدر.
2 ـ الجهاز الذي يحفظ الجسم عن خروجه عن التوازن المقدر بين أعضائه، مثلاً: يد الإنسان لا تكبر بقدر ذراعين، ولا تبقى بقدر نصف ذراع وعينه لا تأخذ مسافة بقدر الحاجب، ولا تبقى صغيرة بقدر حمصة.
3 ـ وجهاز يلاحظ الكيفية، فلا يسود الجسم في الإنسان الأبيض، ولا يبيض في الإنسان الأسود، وإن أكل الأول طول عمره الأشياء السود، مثل التوت الأسود، والثاني الأشياء البيض كاللبن ـ لكن بشرط توفر المواد المحتاج إليها البدن في تلك الأطعمة ـ وكذلك بالنسبة إلى الجميل لا ينقلب قبيحاً، وبالعكس، وحمرة الشفه، وسواد العين، وبياض أطراف الحدقة، إلى غير ذلك لا تتغير، إلا في حالات مرضية ـ ليس الكلام فيها الآن ـ.
4 ـ وجهاز يحفظ التوازن بين الذكر والأنثى في حدود إمكانه، فلو لم تلد النساء خمسين سنة رجلاً أو امرأة لا نعدم النسل، وكذلك في الحيوان، أليس ذلك وليد جهاز خاص في داخل أبدان الآباء، أو المواليد يحفظ هذا التوازن بما يمكن للإنسان ضبطه نسبياً؟
وقد قال سبحانه: (الذي أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى)

2 ـ الغرائز:



(الثاني): الغرائز، فإن كل إنسان فطر على غرائز خاصة، هي حقائق في داخله، تبعث على صفات خاصة، وقد سماها القرآن الحكيم فطرة فقال: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) أليس الكرم والشجاعة والرأفة وما أشبه صفات نابعة من داخل الإنسان؟ فكما أن الجسم يتلوّن بمختلف الألوان ـ والتي عدت إلى خمسة وعشرين مليون لون ـ كذلك النفس لها ألوان، وفي الأحاديث: (إن الله خلق العقل والجهل، وأعطى كل واحد منهما جنوداً)أليس ذلك حقيقة؟ وإلا فمن أين هذه الصفات؟
كما أنا نشاهد أن في الحيوان أيضاً غرائز مختلفة، أما قابلية الإنسان تغيير غرائزه دون الحيوان، فلعل ذلك لأن غرائز الإنسان خلقت هكذا دون غرائز الحيوان، أو لعل الحيوان قابل أيضاً لكنه بحاجة إلى وسائل صعبة ومدد طويلة، مما ليس الإنسان كذلك، أو غيرهما؟

3 ـ العقل:


(الثالث): العقل، وهو ما يحسه الإنسان في باطنه حيث يجد التنازع في كثير من الأمر بين نزعة الخير ونزعة الشر، ومن الواضح أن الذات الواحدة لا اثنينة فيها حتى تكون آمرة رادعة، وقد ورد في الأحاديث أن أول ما خلق الله العقل، ثم قال له: (بك أثيب وبك أعاقب)(4) فالسارق مثلاً في داخله شيء يأمره بالسرقة، وآخر ينهاه عنها، ومن يريد بناء مسجد يقع بين ذلك الآمر والزاجر.
وقد أشار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى ما تقدم من الأمور الثلاثة في جملة من كلماته.
فقال عليه السلام: (أنشأ الخلق إنشاءاً، وابتدئه ابتداءاً، بلا روية أجالها ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا هـــمامة نفس اضطرب فيـــها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولام بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها)
وقال عليه السلام: (فجعل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول… فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس، معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد والسبلة والجمود)

4 ـ الوراثة:



(الرابع): الوراثة فإن الإنسان كسائر الحيوانات يرث من أبويه كثيراً من الصفات والمزايا والخصوصيات مما يؤثر في حياته وطريقة أعماله، وقد ورد في الحديث: (الولد سرّ أبيه) وفي حديث آخر: (العرق دساس)(7).
وفي كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لولده محمد: (أدركك عرق من أمك)(8) إلى غير ذلك.
وقد أكد ذلك جمع من العلماء، بل إن بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك من أن الإنسان يرث معظم الصفات، إلا أنها لا تظهر إلى الفعلية، بل تبقى كامنة لضغط العوامل الأُخر على هذا العامل.

5 ـ القوم:


(الخامس): القومية الخاصة، فإنها إطار أعم من إطار الوراثة، مثلاً: الولد يشبه أبويه، وفي نفس الوقت يشبه قومه، وهذا شيء حفل به التاريخ الغابر والمعاصر، فبنو هاشم كانوا كرماء حلماء شجعان، بينما بنو أمية كانوا بخلاء لئماء أصحاب حيل ومكر وخداع، وليس المراد بالقومية الرسوم والآداب والعادات غير المرتبطة بالعرق، بل بالتربية، فإن ذلك من عامل خارجي، وإنما الكلام الآن في العامل الداخلي، حتى إذا ربي إنسان أجنبي مع قوم، كانت له تلك الآداب والرسوم، ولكن لا تكون له تلك الصفات القومية.
ومن قبيل القومية، إن الإنسان من أي فصيل من فصائل البشر، الفصيل الأبيض، أو الأسود أو الأصفر، فقد قسم جمع من علماء الاجتماع كل البشر إلى هذه الفصائل الثلاث، وبعضهم قال بأنه أكثر، والمهم في البحث أن هذا الإطار العام أيضاً يؤثر في كيفية الإنسان الباطنية، كما يؤثر في كيفيته الظاهرية… بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، وقال بأن الذكاء يختلف في هذه الأجناس، لكن هذا ما لم يقم عليه دليل قطعي.
أما جمال الظاهر فمن الطبيعي أن ترى كل جماعة نفسها أجمل من غيرها، فالأسود يرى الجمال في السواد، بينما يرى الأبيض عدم الجمال في ذلك وهل هو حقيقي كالجمال أم اعتباري ـ في الجملة ـ أو واقعي؟ وإنما العادة سببت تحريف الذوق احتمالان.
أما قوله سبحانه: (وصوركم فأحسن صوركم) و (تبارك الله أحسن الخالقين) فلا يستفيد منها الإطلاق، وإنما على نحو القضية الطبيعية، أو بالقياس إلى غير الإنسان، بل قد ذهب بعض الحكماء، أن كل المخلوقات في غاية الجمال، وللمجموع من حيث المجموع جمال المجموع، فحتى العقرب والرتيلاء جميلتان، وإنما حيث ينظر الإنسان إليهما نظر الاشمئزاز والتنفر يراهما قبيحتين (ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت)

6 ـ الدين:


(السادس): الدين، فإن له أهمية كبرى في التأثير في الفرد، ثم التأثير في الاجتماع، ولذا نشاهد الفرق الشاسع بين المجتمع المتدين بدين والمتدين بدين آخر، وبينهما وبين المجتمع اللاديني، ومن جراء ذلك نشاهد أن الخطط التي توضع لمجتمع ما، لا تصلح لمجتمع آخر، إذا كان الثاني بلون غير لون الأول، مثلاً: وضع الدكتور شاخت خطة للتنمية الاقتصادية في ألمانيا فنجحت نجاحاً باهراً، بينما وضع نفس الدكتور خطة مشابهة للتنمية في أندونيسيا، ففشلت فشلاً ذريعاً ولم يكن السبب إلاّ أن المجتمع الإندونيسي مجتمع إسلامي ديني، بينما المجتمع الألماني مجتمع مسيحي علماني.
ولا يخفى الفرق بين الدين المرتبط بالحياة كالإسلام، حيث له مناهج في كل الشؤون، وبين الدين غير المرتبط كالمسيحية، ففي مثل الأول يلزم أحد الأمرين: إما انسلاخ المجتمع عن الدين حتى يتمكن منهاج موضوع ـ على خلاف الدين ـ من النفوذ، وإما أن يفشل المنهاج، قريباً أو بعيداً، حيث أن الأصول تصادم التطبيق. والأصول ـ لكونها عقدة في جذور الإنسان وتحملها المليارات من الكتب ـ ليست قابلة للسقوط وإنما يسقط المنهاج الموضوع.
وهذا هو سر ما نشاهده من تصادم الشعوب الإسلامية مع حكوماتها، مما يسبب أن تعيش الحكومة في عزلة من الشعب إلى أن تسقط، وعند سقوطها تكون للشعب فرحة كبرى بزوال الطاغوت.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (إن الله تعالى خصكم بالإسلام واستخلصكم له، وذلك لأنه اسم سلامة وجماع كرامة، اصطفى الله تعالى منهجه، وبيّن حججه، من ظاهر علم وباطن حكم، لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه، فيه مرابيع النعم، ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلاّ بمفاتيحه، ولا تكشف الظلمات إلاّ بمصابيحه، قد أحمى حماه، وأرعى رعاه، فيه شفاء المشتفى وكفاية المكتفى).
وقال عليه السلام: (فمن يبتغ غير الإسلام ديناً تتحقق شقوته وتنفصم عروته، وتعظم كبوته، ويكون مآبه إلى الحزن الطويل، والعذاب الوبيل)… وقال عليه السلام: (لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلاّ فتح الله عليهم ما هو أضر منه)

7 ـ الثقافة:


(السابع): الثقافة، فإنها حيث تبين للناس رسم الحياة، التي يمكن أن يتجنب فيها الأخطار بل الحياة السعيدة، إلى أن يصل إلى الحياة التقدمية، توجب توجيه الإنسان، والمراد بالثقافة أعم عن التي تعلمها من بيته أو مدرسته أو محيطه، أو اكتسبها هو بفكره وتجربته.
وما يقال: من أن ولد العالم نصف العالم، يراد به، أنه رأى أباه كيف يعمل فتعلمه، والمراد أن العلم نظري وعملي، والعملي يستوعبه الإنسان من أبيه العالم، كما أن ما يقال: لا أدري نصف العلم، يراد به أن العلم نصفان، نصفه أن تعلم أنك تعلم ونصفه أن تعلم أنك لا تعلم [في قبال الجهل المركب].
وقد ورد في الحديث: (إن لقمان عليه السلام كان كثير التفكر) كما ورد في أبي ذر (رضوان الله عليه) [كان أكثر عبادته التفكر] (15) فالفكر يعطي الإنسان معرفة الأسباب والمسببات، وارتباط الأشياء بعضها ببعض، وطرق النجاح والفشل والفكر مثله مثل القائد الآمر، بينما العمل الجوارحي مثله مثل التابع المأمور ولذا ورد: (فكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة) وورد: (إنما الأعمال بالنيات) إلى غير ذلك.
والسعداء لم يسعدوا إلاّ بالفكر الصالح الذي تعقبه عمل صالح والأشقياء لم يشقوا إلاّ بالفكر الفاسد الذي تعقبه عمل فاسد، وقد تكرر في القرآن الحكيم: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فالإيمان فكر ونية وعزم، والعمل الصالح ما يتبع ذلك.

8 ـ الأسوة:


(الثامن): الأسوة، فإن الإنسان يأتسي في أعماله بمثال أو أمثلة، ويجعل تلك منهجاً لعمله، ولذا نجد الصالحين يتبعهم رعيل من الصالحين وبالعكس من ذلك الفاسدين، وفي القرآن الحكيم: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)
وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)
وفي كلام للإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (فليتأسّ متأس بنبيه وإلاّ فلا يأممن الهلكة)
ولعله لذا ورد: (من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنّ سنّة سيّئة كان له وزرها ووزر من عمل بها)


9 ـ المحيط الطبيعي:


(التاسع): المحيط الطبيعي فإنه يؤثر في الإنسان تأثيراً كبيراً، فكل إنسان كثيراً ما يكفي حياته على الطبيعة إما تكييفاً طبيعياً، وإما اصطناعياً فالأول مثل تأثير المناطق الاستوائية في لون بشرة الإنسان، بينما ليس كذلك تأثير المناطق غير الاستوائية، وإذا سكن إنسان من الاستواء في المناطق غير الحارة لم تمر أجيال منه إلا ويعتدل ولنه، والعكس بالعكس.
وكذلك من التأثير الطبيعي كون الأمزجة حارة في الاستوائية، بلغمية في القطبية، وبينهما في غير المناخين المذكورين وأمراض المناطق المختلفة تختلف حسب المحيط الطبيعي، كما أن الحضارات ازدهرت في الأماكن الملائمة، لا القطبية والاستوائية لأن المناخ المناسب يعطي للإنسان فرصة تكوين الحضارة وتكميلها، بينما المناخ غير المناسب لا يلائم ذلك.
وقد أرسل الأنبياء بكثرة في الشرق الأوسط، وقال سبحانه: (باركنا حوله) حيث قال بعض المفسرين البركة بالأنبياء، وورد في الحديث أن موسى عليه السلام كان معه سبعون
ومن الواضح، وجود النشاط في الربيع والخريف، بما ليس مثله في الشتاء والصيف، وقد ورد: (توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره، فإن أوله يورق، وأخره يحرق، وإنه يفعل بأبدانكم كما يفعل بأشجاركم)
والذين يسكنون القطب يصنعون البيوت من الجليد، بينما سكان الغابات يصنعونها من الخشب، وسكان البادية يصنعونها خباءا؟ً من الجلد تارة ومن الوبر والصوف أخرى، أما سكان الجبال والغابات ـ من المتوحشين ـ فيسكنون الكهوف ورؤوس الأشجار، ومن على الضفاف يصنعون بيوت الطوب والآجر والطين.
أما أكل سكان سيوف البحار فالسمك، بينما سكان الواحات والمعاشب يأكلون لحم الأغنام، أما سكان الغابات فيأكلون مختلف أنواع الصيد… وكل يعمل أدواته مما عنده، فسكان الغابة يعملونها من الأخشاب، بينما سكان الجبال ونحوها يصنعونها من الأحجار، وأهل الحضارات من المعادن.
وفي مراكبهم يستفيد كل مما لديه من أو عال وأحمرة، وجمال، وأفراس، ونحوها… وملبس كل حسب ما يجده عنده، من جلد حيوان، أو قطن أو صوف أو أوراق أشجار متينة، وهكذا الاستفادة من الأدوية تختلف حسب اختلاف المناطق فلكل منطقة أدوية خاصة لا يلائم أهل تلك المنطقة إلاّ تلك الأدوية.


10 ـ المحيط الاجتماعي:


(العاشر): المحيط الاجتماعي، حيث يؤثر الاجتماع في الإنسان تأثيراً كبيراً، وكلما كان الاجتماع أكبر، كان تأثيره في الإنسان أكثر، ويكون من كبر الاجتماع اتصاله بالوسائل الحديثة باجتماعات أُخر، بالحركة أو الاستماع أو المشاهدة، بل وحتى بالتجارة والزراعة فإنه إذا نقلت بضائع ومصنوعات وحبوب من بلد آخر إلى بلد الإنسان تعلم منها التقدم والتطور.
فإن الإنسان، للغريزة المودعة فيه من حب البقاء وحب التطور، يقتضي دائماً ما يبقيه وما يقدمه، فإذا رأى شيئاً يصادم أحدهما تجنبه، وإذا رأى شيئاً يمده في أحدهما اتخذه، والاجتماع حيث يمتلأ بالمصادمات وبأسباب التقدم يسبب انسحاب الإنسان عن ميادين المصادمة، وسيره إلى ميادين التقدم، فهو بين انفعال وفعل، حاله حال من في الغابة يهرب من الأسد، ويتقدم لقطف الثمر، وكما لو أنه لم يكن أسد ولا ثمر، لم يهرب ولم يتقدم، كذلك إذا لم يكن اجتماع لم يكن هرب عن مصادمات الاجتماع، ولا تقدم إلى مواضع الفائدة.

العائلة



منذ يرى التاريخ تكونت العائلة أول ما تكونت، من زوج وزوجة، قال سبحانه: (وجعل منها زوجها ليسكن إليها)(1) فقد كان آدم وحواء، ثم ولدا هابيل وقابيل، وخلق الله لهما زوجتين جديدتين فلما تزوجا بهما، صار أولادهما أبناء عمومة، وهكذا صار التوالد إلى اليوم، وسيبقى إلى يوم انتهاء الدنيا.


أنواع الزواج


وأما كيفية التزويج، فقد اختلفت في الأمم على خمسة أقسام:


1 ـ رجل وامرأة.
2 ـ ورجل وأكثر من امرأة.
3 ـ وامرأة وأكثر من رجل.
4 ـ وجماعات رجال ونساء.


5 ـ والفوضى الجنسية بدون ميزان، كما يدعوا إليه ماركس وطبق في روسيا والصين، أول سيطرة الحكم الشيوعي فيهما، فكل رجل لكل امرأة وكل امرأة لكل رجل.
والكيفية الصحيحة ـ عقلاً وشرعاً ـ هما الأولان، إذ أنه إن استطاع الرجل اتخاذ أكثر من زوجة [وذلك، لكثرة النساء ـ على الأغلب ـ بالنسبة إلى الرجال، حيث دل الإحصاء أن الرجل أقل عمراً من المرأة، وأن الرجل يقتل ويموت بالكوارث، لأنه مشغول بأعمال خشنة، وليست المرأة كذلك] وإن لم يستطع الرجل، اتخذ زوجة واحدة.
لكن الغالب أن الرجال يتخذون زوجة واحدة، لا لعدم الإمكان، بل لأن جماعة من الرجال تخلفوا عن موازين إدارة النساء، فرغبت النساء عن الضرة مما أوجب تخوف الرجال من التعدد، حيث العرف العام يثقل عليه التعدد، خصوصاً إلى ثلاث وأربع.
أما المرأة لأكثر من رجل، فقد وقعت في بعض الأمم، إما لفقر الرجال عن المهر أو لقلة النساء لحادث ما… وهذا خطير في تحطيم لعائلة وإيجاد أنواع كثيرة من الأوبئة النفسية والصحية والفكرية كما يؤكده علماء ذوي الاختصاص.
والرابع: بالإضافة إلى أنه غير شرعي، غير صحيح حيث يلزم من ذلك المنازعات، للمقاربة، وللنفقة، وللأولاد.
أما الخامس: فهو خلاف السكن والأنس، ولذا تحاشى عنه حتى الشيوعيين ـ غالباً ـ ضاربين تعالم ماركس وانجلز عرض الحائط، كما ضربوا بسائر تعاليمهما، إلا الديكتاتورية في الحكم، فهي باقية إلى الآن، وإلا خنق الأديان، خوفاً من أن يطالبهم الدين بعدم الديكتاتورية، وتوزيع الثروة توزيعاً عادلاً.

الزواج في عالم الحيوان



ثم إنه فرق بين عالم الإنسان والحيوان في الزواج، من حيث أن الزواج في الحيوان إما ينفصم بعد اللقاح أو بعد تكبير الأولاد، وقابلية الأولاد للعيش وحدهم، كما في الحمام ونحوه، بينما الإنسان حيث لا ينتهي أمره بتكبير الأولاد بل يبقى هناك التربية والمعاش للأولاد، والمحبة، وانتظار أن يكافئ الأولاد جزاء والديهم في الإعاشة والإدارة و… لذا تدوم العائلة الإنسانية أكثر من دوام العائلة الحيوانية ـ فيما كان لها دوام ـ.
لا… لطرد الأولاد
والعائلات على قسمين: قسم يستبقي الأولاد، بعد رشدهم، واستقلالهم في أمور معاشهم، وقسم يطرد الأولاد، لكن القسم الثاني أقرب إلى المادية بينما القسم الأول أقرب إلى الإنسانية، حيث أن الحب والعلاقة فوق المادة، بل اللازم ـ كما جعله الإسلام ـ إنفاق العائلة على الأولاد، إن كانوا فقراء وبالعكس كذلك، وإلا تعاونا في أمر المعيشة، وبالاجتماع يدرك الإنسان لذة روحية لا يدركها بالانفراد.
ولذا نرى أنه كلما أوغل مجتمع في المادية، كان الطرد فيه أكثر وبالعكس كلما لازم مجتمع الإنسانية ـ وفي قمتها الإسلام ـ كان الاستبقاء أكثر…. وقد زعم بعض علماء الاجتماع أن المجتمع الصناعي يلازم الطرد، وفيه أن ذلك ليس من لوازم الصناعة بل من لوازم المادية.
ثم هناك بعض العوائل المتوسطة بين المبقية والطاردة، وهي التي تحفظ ولدها الكبير فقط دون سائر الأولاد، وذلك للأنس به والتعاون معه، وإذا مات الولد الأكبر، جاء ولد آخر ليعيش مع أبويه، تاركاً استقلاله في عائلة نفسه، أي يأتي مع عائلته إلى دار والديه.
بين العائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة
والعائلة، تنقسم إلى عائلة ضيقة هي عائلة الزوجين والأولاد، وعائلة وسيعة هي العائلة التي تتكون من الأبوين والأولاد والأصهار وزوجات الأولاد، وعائلة أوسع هي بالإضافة إلى ما تقدم تبقى مستمرة في السعة كالأجداد والأعمام والأخوال، وما أشبه. ولكل من الأقسام الثلاثة محاسن إلا أنه ورد في الحديث: (تزاوروا ولا تجاوروا)(2) وذلك لأن انضمام الكل في عائلة واحدة غالباً تؤدي إلى منافسات ومنازعات، بل بعض المفاسد الخلقيــة، ولعل خيـــر الأمور أوســطها يقتضي ترجيح الثاني، بعد انصراف النص عن مثله.
وذلك لأن الأبناء والبنات لابد لهم ممن يجمعهم في حياتهم العائلية، كما كانوا قبل ذلك في بيت الأبوين، وإلا فكيف تعيش بنت منفردة جديدة العهد بالزواج في دار مستقلة، سواء كانت بنت الأبوين، أو زوجة ولدهما؟ فإنها تحتاج إلى مساعدة من نوع جديد في حياتها الجديدة، حتى ينشأ لها الأولاد وكذلك بالنسبة إلى الولد المتزوج، أمّا أن يسكنا مع عائلة أخرى غير أبويهما، فذلك فيه أضرار الغربة، وخوف انحراف الأخلاق.
لكن اللازم لهما إذا سكنا بيت الأبوين ملاحظة، عدم تسرب فساد الأخلاق بين الزوج وأخت الزوجة وبين الزوجة وأخ الزوج… وكيف كان فالعائلة عش لا للجهات الجسدية للأولاد، بل للجهات النفسية أيضاً، فإنهم يتعلمون من الأبوين، ويتربون بأخلاقهما وسلوكهما، ولذا كان اللازم عليهما تــحسين السلوك حتـــى لا يخرج الأولاد منحرفين، كما أن اللازم عليهما مداراة الأولاد، حتى لا يصيروا معقدين.
وفي الإسلام طائفة كبيرة، من الآيات والروايات بهذا الصدد، يمكن مراجعة [حلية المتقين] و [مرآة الكمال] و [سراج الشيعة] وغيرها للاطلاع عليها، وهي كافية لتقويم العائلة سواء الزوجين، أو مع الأولاد، أو حتى مع الأحفاد والأقرباء الآخرين.
مركز الثقل في العائلة
ثم الأولاد قد يضعون ثقلهم على الأم، وقد يضعون ثقلهم على الأب، وقد يساوون في وضع الثقل، وذلك لعدة عوامل، فوضع الثقل على الأم، لأنها تدير الاقتصاد، أو لأنها شخصية كبيرة سواء بنفسها، أو لأجل محتدها، أو لأنها تدير التربية، أو لأن الأب يغيب في تجارة أة زراعة أو صيد أو ما أشبه ذلك، أو لأن الأب سجن مدة طويلة، أو لأنه مات أو جن، أو ما أشبه ذلك ومنه يعلم وجه العكس بأن يوضع الثقل على الأب، ووجه وضع الثقل عليهما… وأحياناً لا يوضع ثقلهم على أي منهما بل على العمة أو الخالة أو ما أشبه.
ولكل قسم من أقسام وضع الثقل الأربعة، قسم من الآثار، مثلاً: من يضع ثقله على الأم يتربى بتربية النساء عاطفياً، بالعكس ممن يضع ثقله على الأب حيث يتربى بتربية الرجال عقلانياً، أما من يضع الثقل عليهما فيصبح معتدلاً، ومن يضع ثقله على الخارج ـ العمة والخالة ونحوهما ـ فهو يحرم غالباً من نوع من العطف والعقل، ويخرج عنيفاً، أمّا من يضع ثقله على مثل دار الحضانة ونحوها فغالباً ما يخرج معقداً، ولعلم النفس والتربية بحث طويل حول ذلك.
العائلة والإنتاج الاقتصادي
ثم لكيفية الإنتاج الاقتصادي، أثر بيّ، في سعة العائلة وضيقها، فالإنتاج اليدوي زراعة أو صناعة أو ما أشبه، له تأثير في سعة العائلة، حيث يحتاج مثل هذا الإنتاج إلى أيادي كثيرة، يمكن القيام بالمعاش، بينما إذا كان الإنتاج مثل الصيد، والغزل بالمغزل، وتربية الدواجن لم يحتج إلى أيادي كثيرة، فيقتنع الزوجان بأنفسهم وأولادهما لذلك، وكذلك إذا كان الإنتاج مثل البستان فإنه يكتفي بعائلة واحدة، وقد زعم ستالين أن المزارع الجماعية أدر في الربح لكيس الدولة فأجبر الفلاحين على ذلك، ولم ينتج ذلك إلا تأخر الزراعة من ناحية، واستشراء الفساد الأخلاقي من ناحية ثانية، والمقاومة الشديدة، حتى قتل منهم أكثر من مليون من ناحية ثالثة.
ثم الرجل منتج طبيعي [أي نوع من الإنتاج] أما المرأة فإذا كانت منتجة ارتفعت مكانتها في العائلة، وكذا في الاجتماع، بخلاف ما إذا لم تكن كذلك بل بقيت مربية وربة بيت، فإن عملها وإن كان عملاً رفيعاً ـ وفي المثل: [التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بشمالها] ـ إلا أن الاجتماع المادي لا يعيرها تلك الأهمية التي هي للمرأة الاقتصادية، ولعل ذلك لأجل ما ألمع إليه علي عليه السلام (احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره)(3).
وقد جعل الإسلام للمرأة مكاناً رفيعاً لم يصل إليه الغرب حتى الحال الحاضر، حتى أنه قال بالنسبة إلى الأم: (الجنة تحت أقدام الأمهات) وفي حديث أن شخصاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله: إلى من أحسن؟ قال صلى الله عليه وآله: أمك، وسأل ثانياً وثالثاً؟ وفي كل مرة يجيب صلى الله عليه وآله: أمك، وفي المرة الرابعة قال صلى الله عليه وآله: أبيك


يتبع

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح
عبير الروح
عضو ماسي
عضو ماسي

empty empty empty empty empty
empty empty empty empty empty empty empty empty empty انثى

عدد المساهمات : 29839

نقاط : 114743

تاريخ التسجيل : 09/02/2010

empty empty empty empty

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات Empty رد: بحث حول تركيبة وتشكيل المجتمعات

مُساهمة من طرف عبير الروح الثلاثاء 31 مايو 2011, 12:49 am

خاتمة

اخيرا يمكن القول ان الإنسان يتلاقى مع المحيط الطبيعي أو الاجتماعي أو الصناعي، وقد أودع الله في الإنسان ذخائر، كما قال علي عليه السلام في حكمة بعث الأنبياء: (ليثيروا لهم دفائن العقول) وبهذا التلاقي تنعكس حالات المحيط إلى داخله، مما يسمى أول المعرفة.
وقد أودع الله في الإنسان حب الاستطلاع، ولذا نرى الطفل منذ صغره الباكر يهتم بالأشياء يأخذها ويقلبها ويتذوقها ويستمع إليها، ليعرف خصوصياتها وطعومها، وأصواتها، وملمسها، وأحياناً يستشمها لمعرفة روائحها.
ثم هناك في داخل الإنسان جهاز العقل، وهو كالنبتة، تنمو وتنمو، فإن شذب وهذب نمى نمواً مستقيماً وإلا نمى نمواً منحرفاً، وهذان: [الحس والعقل] يتعاونان ليكونا للإنسان المعرفة، إن قليلاً أو كثيراً.
والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة مرتبطان بالعقل، وإلا فالمجنون يحسّ ولا يعاقب كما لا يثاب، لأن لا عقل له، وفي الحديث: إن الله لما خلق العقل قال له: بك أثيب وبك أعاقب
ثم إن تلاقي الإنسان والمحيط، يوجب تأثير أحدهما في الآخر، فالمحيط بأقسامه الثلاثة يؤثر في الإنسان، من طريق الحواس الخمس، ولذا كان المحكي عن ابن سيناء أنه قال: (من فقد حساً فقد علماً) أي سلسلة من العلوم المرتبطة بتلك الحاسة كما أن الإنسان يؤثر في المحيط تشذيباً وتهذيباً وتنظيماً وإصلاحاً.


قائمة المصادر

الإمام الشيرازي اعلى الله درجاته نادرة التاريخ في التأليف

نصر الدين بن جبارة- المجتمع و التجمعات-جامعة الجزائر-2000.2001

ايت عبد الرحمن فاضيل - علم الاجتماع بين النظري و العملي - جامعة باجي مختار عنابة - الجزائر

القرأن الكريم و كتب في السيرة النبوية


ملاحظة

كان المنهج المتبع

تحليلي تاريخي

و الاسقاط في صبغة دينية اسلامية


اتمنى لكم كل الفائدة

و لاتنسوني بصالح دعائكم


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عبير الروح
عبير الروح
عضو ماسي
عضو ماسي

empty empty empty empty empty
empty empty empty empty empty empty empty empty empty انثى

عدد المساهمات : 29839

نقاط : 114743

تاريخ التسجيل : 09/02/2010

empty empty empty empty

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى